ملفات وتقارير

ما خطورة أول استحواذ إسرائيلي على أصول مصرية بقطاع الطاقة؟

عليش: التغلغل الإسرائيلي موجود وواضح في مصر منذ فترة- جيتي

تخطو شركات الاحتلال الإسرائيلي أولى خطواتها الرسمية للسيطرة على بعض الأصول والشركات المصرية، والتي بدأتها "نيوميد إنرجي" من تل أبيب بإعلان نيتها الاندماج مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية العاملة بقطاع النفط والغاز المصري.

وكونه أول ظهور علني لشركات إسرائيلية في سوق الطاقة المصري، فإن مراقبين اعتبروه توجها مثيرا للقلق والمخاوف، لكنّ آخرين رأوه تطورا طبيعيا ناتجا عن اتفاقية مصرية إسرائيلية لاستيراد الغاز من الكيان، وأخرى بتصديره من محطات الإسالة المصرية لأوروبا.

في منتصف آب/ أغسطس الماضي، أعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية "نيوميد إنرجي" (ديليك دريلينغ سابقا)، عن خططها لإطلاق شراكة مع "إنلايت" للطاقة المتجددة المدرجة في بورصة تل أبيب، للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة مصر.

ولكن يبدو أن خطط الشركات الإسرائيلية التي تستهدف في مصر مجالات الطاقة الشمسية، والرياح، وتخزين الطاقة، وقطاعات الطاقة المتجددة الأخرى، بدأت في كتابة أول سطر فيها بتوجه للاستحواذ على إحدى شركات الطاقة التي تمتلك حقول نفط وغاز مصرية هامة.

والخميس، أُعلن عن تدشين شراكة بين اللاعب الهام في اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر عام 2018، "نيوميد" الإسرائيلية، وبين شركة "كابريكورن إنرجي" البريطانية العاملة في الصحراء الغربية المصرية وفي شمال الدلتا، وذلك خلال الربع الأول من 2023.

بموجب الاتفاق يستحوذ مساهمو الشركة الإسرائيلية على نحو 90 بالمئة من كيان الشراكة الجديدة، التي ستمنح "نيوميد إنرجي" السيطرة على أصول "كابريكورن" في مصر التي سيحصل مساهموها على 620 مليون دولار.

من المقرر أن يدرج الكيان الجديد باسم "نيوميد إنرجي" ببورصة لندن، وكذلك يتطلع الكيان الذي يصف نفسه بعملاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للغاز والطاقة إلى الإدراج ببورصة تل أبيب.

وتستهدف صفقة الاندماج زيادة إنتاج حقول الغاز في مصر وإسرائيل، وفق تأكيد الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد، يوسي أبو، الذي قال الخميس الماضي، إن الشركتين تخططان لزيادة الإنتاج لأكثر من 200 ألف برميل من النفط يوميا بحلول عام 2030، من 115 ألف برميل يوميا.

وتنوي "نيوميد" تطوير حقل غاز "ليفايثان" بالبحر المتوسط، فيما تدرس تصدير المزيد من الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب جديد يربط الحقول الإسرائيلية بمحطات إسالة الغاز الطبيعي في مصر.

"تمهيد سابق"

ذلك الاتفاق، يأتي بعد ثلاثة أشهر من توقيع مصر وإسرائيل في حزيران/ يونيو الماضي، اتفاقية تزيد بموجبها تل أبيب صادرات الغاز إلى محطتي الإسالة المصرية بـ"إدكو" و"دمياط"، ثم تصديره للاتحاد الأوروبي الذي يعاني نقص الإمدادات منذ حرب روسيا وأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي.

وتأتي صفقة الاستحواذ المثيرة تلك، والأولى لشركة طاقة إسرائيلية على أصول مصرية بهذا القطاع بعد أربع سنوات من اتفاق 2018 لتصدير الغاز من الكيان إلى مصر مدة 15 عاما بقيمة 15 مليار دولار، عبر خط أنابيب غاز شرق البحر المتوسط عسقلان-العريش.

ولدى "نيوميد" الإسرائيلية عمل سابق في مصر، حيث كانت الشركة التي عدلت اسمها من "ديليك دريلينغ" هذا العام، لاعبا رئيسيا في صفقة تصدير الغاز تلك من حقول الأراضي الفلسطينية المحتلة، للقاهرة عام 2018.

وتقوم "نيوميد" مع شركة "شيفرون" الأمريكية على أكبر حقلين بحريين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهما "تمار" و"ليفايثان"، اللذان يضخان الغاز الطبيعي إلى مصر للإسالة قبل أن يعاد تصديره إلى أوروبا.

وتمتلك مصر محطتين لتسييل الغاز بمدينتي "إدكو" و"دمياط" شمال البلاد، تتفرد بهما في الإقليم، وتسمح لها باستقبال الغاز من أية دولة مجاورة ثم تصديره عبر ناقلات الغاز المسال وخطوط الأنابيب، إلى دول أوروبا.

"شراكة بعد عام"

المثير هنا أن شراكة "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية تأتي بعد عام فقط من دخول الأخيرة سوق الطاقة المصري بصفقة استحوذت فيها على جزء من أصول شركة بريطانية أخرى في مصر هي "شل" العالمية.

وفي صفقة شهدها أيلول/ سبتمبر 2021، أصبحت "كابريكورن إنرجي" تمتلك حقول نفط في الصحراء الغربية المصرية بعد استحواذها مع شريكتها "شيفرون" الأمريكية على تلك الأصول بالمناصفة من شركة "شل" للنفط والغاز متعددة الجنسيات البريطانية والهولندية الأصل، بـ926 مليون دولار.

وأصبحت محفظة أصول "كابريكورن إنرجي" و"شيفرون"، التي حصلا عليها من "شل"، تشمل "13 امتيازا بريا بإجمالي احتياطيات مثبتة ومحتملة تبلغ 113 مليون برميل بترول، إضافة إلى حصة (شل) في شركة بدر الدين للبترول (بابتيكو).

وكذلك أصول تنتج نحو 40 ألف برميل من النفط المكافئ يوميا، فيما كان متوقعا أن تضيف "كابريكورن إنرجي" بين 33 و38 ألف برميل يوميا لقدراتها الإنتاجية.

ما يعني أن "نيوميد" الإسرائيلية ستشارك "كابريكورن إنرجي"، وفقا للشراكة الجديدة في نصف تلك الأصول، التي تقع أغلبها في صحراء مصر الغربية الغنية بالغاز والبترول، وتزخر بالعديد من الاكتشافات الجديدة والمتوقعة مستقبلا.

 

اقرأ أيضا: اندماج تجاري يولد شركة إسرائيلية تمتلك أصولا نفطية في مصر

"مغارم أكثر من المنافع"

وفي قراءته لدلالات أول شراكة واستحواذ إسرائيلي على إحدى أهم أصول شركات الطاقة في مصر، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "التعاون المصري الإسرائيلي بمجال الطاقة لم يعد سرا، والتعاون بقطاع غاز المتوسط معلوم ومنشور".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "اتفاق توصيل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر، بداية لزيادة التعاون بينهما في مجال تسييل الغاز، أو إنتاج الهيدروجين الأخضر".

وأضاف: "إذا كانت (نيوميد) الإسرائيلية تسعى للاستحواذ على أصول بقطاع النفط والغاز المصري، وزيادة الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وخاصة مصر، فإنه أمر مبرر، بل وكان متوقعا، في ظل اتفاقية تصدير الغاز لأوروبا".

وعن ما يمكن أن يعود على سوق الطاقة المصري من فوائد في هذا الإطار، يعتقد عبدالمطلب، أن "المغارم من هذا التغول الإسرائيلي في قطاع الطاقة والغاز ستكون أكبر من المنافع، حيث سيذهب الجزء الأكبر من هذه المنافع إلى الجانب الإسرائيلي".

لكن الخبير المصري، استدرك بالقول: "لكن على الجانب الآخر فإن هذا النوع من التعاون سوف ينهي أو يؤجل مشاريع مد خطوط غاز منافسة لقناة السويس".

"تمسك برقبة مصر"

من جانبه قال السياسي المصري المعارض سمير عليش لـ"عربي21"، إن "موضوع التغلغل الإسرائيلي العلني في قطاعات الاقتصاد المصري موجود قبل هذه الصفقة بكثير، وليس فقط بقطاع الطاقة".

وأكد أن "ما يحدث في الإمارات من تغييرات سياسية واقتصادية منذ التطبيع مع إسرائيل في آب/ أغسطس 2020، وما نتج عنه من حصول الإسرائيليين على الجنسية الإماراتية، يفتح الباب لاستحواذ الشركات والمستثمرين الإسرائيليين على الشركات المصرية".

وتابع: "بل إن الأمر تعدى ذلك بكثير مع تغييرات قانون الجنسية في مصر، وأصبح من حق الأجانب وبينهم الإسرائيليون الحصول على الجنسية المصرية مقابل الاستثمار وجلب الأموال من الخارج وشراء العقارات والأراضي بها".

وجرى تعديل بقانون الجنسية المصرية عام 2019، يتخطى مبدأ حق الدم وحق الأرض للتجنس سعيا في زيادة التنمية الاقتصادية، إذ أصبحت حقا للأجنبي حال شراء عقار بمبلغ لا يقل عن 500 ألف دولار، أو بالاستثمار بمبلغ لا يقل عن 400 ألف دولار.

وهنا يتساءل عليش: "ما الذي يمنع أن تكون أغلب استحواذات الإمارات من امتلاك المستشفيات والمدارس والشركات تذهب إلى شركاء إسرائيليين؟ وما الذي يمنع إسرائيليين من التجنس في مصر وامتلاك الأصول والشركات المصرية؟".

عضو الحوار الوطني في مصر، أجاب قائلا: "التغلغل الإسرائيلي موجود وواضح في مصر منذ فترة، وهناك أمر واضح بوجود مخطط يتم تنفيذه، في هذا الإطار".

وعن أول استحواذ علني لشركة إسرائيلية في أصول مصرية بقطاع الغاز والبترول، أكد أن "تصدير إسرائيل الغاز لمصر، ثم الشراكة بينهما مع أوروبا لتسييل الغاز وتصديره للقارة، يعد تمهيدا لامتلاك شركة إسرائيلية حقول غاز ونفط مصرية".

وذهب للقول بأن كل ذلك "يأتي في سياقات سابقة منذ ظهور رجل الأعمال حسين سالم صديق حسني مبارك في ملف تصدير الغاز المصري لإسرائيل منذ العام 2005".

ويرى أن "ما يثار عن أن تلك الشراكة بين شركة إسرائيلية وأخرى بريطانية في حقول مصرية ستزيد إنتاجنا من النفط والغاز؛ حديث لا يؤخذ على محمل حسن، لأنها الآن تمسك برقبة مصر في قطاع حيوي واستراتيجي ويخص الأمن القومي".

ولفت إلى أنه "يستطيع أن يقتلك ويقلل إنتاجك، ويتحكم فيه وفي البلاد"، مشيرا إلى "تأثير نقص إمدادات الغاز الروسي على أوروبا منذ الحرب على أوكرانيا قبل 8 أشهر".

وأكد أنه "لو اعتمدت عليه فإنه يمكنه وقف إنتاجك ليسيطر على القطاع الهام"، موضحا أن "الحل لهذه الأزمة وغيرها من أزمات الاقتصاد المصري التي جاءت نتيجة جهل أو عدم علم؛ في زوال المسؤولين الجهلة عن تفاقم هذا الوضع".

ولفت إلى أنه من المقترح طرح قضية التغلغل الإسرائيلي في الاقتصاد المصري والذي يتحكم في أغلب اقتصاديات العالم، خلال جلسات (الحوار الوطني) المقرر عقدها في مصر، "ولكنك في هذه الحالة تشكو لمن بيده القرار ومن صنع الأزمة".