صحافة دولية

الغارديان: مخاوف غربية من التقارب بين ابن سلمان وبوتين

قالت الصحيفة إن ترسيخ الروابط بين السعودية وروسيا يثير ذعر الغرب- جيتي

نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تقريرا لمراسل الشرق الأوسط مارتن تشولوي، قال فيه إن ترسيخ الروابط بين روسيا والسعودية يثير المخاوف لدى الحلفاء الغربيين.


وأشار الكاتب إلى أن قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعزيز العلاقات مع الكرملين أثارت الذعر لدى الحلفاء، ولكنه لم يزل معجباً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ وقت طويل.


وقال إن العلاقات بين الرياض وموسكو وصلت ذروتها بعد ما يقرب من ثمانية أشهر على غزو روسيا لأوكرانيا، حيث اختار ابن سلمان أن يعمّق الروابط مع بوتين، في الوقت الذي تضاعف فيه أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا جهودها لمحاربة الزعيم الروسي.


واعتبر تشولوي أن اجتماع مجموعة أوبك بلس النفطية الأربعاء في فيينا كان آخر معلم في العلاقة المتنامية التي تتحدى، وبشكل متزايد، المطالب الصادرة عن حلفاء الرياض.


وقال إن التقارب بين السعودية وروسيا في أوبك بلس يبدو أنه تفريج عن فلاديمير بوتين في لحظة حرجة من الحرب، حيث يسعى أعضاء المجموعة النفطية التي تقودها الرياض وموسكو إلى تقليص التوريد العالمي بما يتراوح ما بين مليون ومليوني برميل في اليوم اعتبارا من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.


كما تناول التقرير أبرز مراحل التقارب بين ابن سلمان وبوتين، مشيرا إلى أن أواصر الوحدة زادت بين الرجلين خلال الأشهر الثمانية الأخيرة بسبب كرههم المشترك للرئيس الأمريكي جو بايدن، باعتبار أن إدارته قامت بتسليح الجيش الأوكراني الذي ألحق بروسيا سلسلة من الهزائم المذلة. كما أن بايدن تزعم الجهود لتهميش ولي العهد السعودي.

في ما يأتي المقال كاملا، مترجما من "عربي21":

كلاهما أشعلا حروباً في بلدان مجاورة، وكلاهما يتمتعان بنفوذ واسع في سوق الطاقة. رئيس روسيا المحاصر فلاديمير بوتين والحاكم الفعلي في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، يبدو أن المشترك بينهما كبير.

بعد ما يقرب من ثمانية أشهر على غزو روسيا لأوكرانيا، وصلت العلاقات بين الرياض وموسكو إلى ذروتها. وبينما تتوجه معظم أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا نحو مضاعفة جهودها لمحاربة الزعيم الروسي الذي يزداد خطورة عليها يوم بعد يوم، فقد اختار الأمير محمد بن سلمان بدلاً من ذلك أن يعمق الروابط معه.

كان اجتماع أوبك بلس في فيينا الأربعاء آخر معلم في العلاقة المتنامية التي تتحدى، وبشكل متزايد، المطالب الصادرة عن حلفاء الرياض، في ما يبدو أنه تفريج عن بوتين في لحظة حرجة من الحرب. من المتوقع أن يسعى البلدان إلى رفع أسعار النفط من خلال تقليص التوريد العالمي بما يتراوح ما بين مليون ومليوني برميل في اليوم.

وتكون هذه الخطوة قد أتت بعد حدوث عرقلة على نطاق واسع لتوريدات الغاز إلى أوروبا بسبب الحرب، وإثر توقعات باندلاع أزمة متفاقمة في أمن الطاقة مع اقتراب الشتاء الشمالي. كما أن من شأنها أن تستعدي واشنطن، الحليف الذي سعى جاهداً لتجنيد الرياض من أجل تخفيف ضغوط التوريد عبر فتح صمامات خزاناتها الضخمة.

بدلاً من ذلك، يجد بايدن نفسه في مواجهة شريك في الشرق الأوسط كان قد زاره شخصياً أثناء الصيف في الوقت الذي بات فيه جلياً المدى الذي وصلت إليه أزمة التوريد. إلا أن بايدن عاد من الزيارة بخفي حنين، ونتيجة لذلك فإنه يواجه وضعاً غير مريح، إذ سيضطر إلى اصطحاب أسعار الوقود المرتفعة معه إلى الانتخابات النصفية. ولربما كان الأهم من ذلك بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة أن أي ارتفاع في أسعار النفط يمكن أن يعتبر مساعداً في تمويل الجهود الحربية لبوتين.

يقول روبين ميلز، المدير التنفيذي لمؤسسة "قمر للطاقة": "كانت الإدارات السعودية السابقة تبدي حساسية أكبر تجاه مشاعر الولايات المتحدة وحرصاً أكبر إزاء ما يصدر عنها من رسائل، رغم أنهم قد يقومون بنفس الفعل." ويضيف: "كانت السعودية إلى حد كبير تفعل ما يبدو لها فيما يتعلق بالنفط بغض النظر عما تقدمه من معروف للولايات المتحدة. فكانت باستمرار تضفي حلاوة على ما تفعله. أما هذه المرة فلا."

وثمة علامة أخرى على الآصرة الآخذة في الترسخ بين موسكو والرياض برزت الشهر الماضي عندما، وفي لحظة نادرة في الدبلوماسية العالمية، أمّن دبلوماسيون سعوديون إطلاق سراح مساجين دوليين، بما في ذلك خمسة بريطانيين، كانوا قد أسروا أثناء القتال داخل أوكرانيا. كانت البصريات صارخة، ويبدو أن الصفقة حازت على موافقة بوتين نفسه الذي أراد أن يمنح الرياض لحظة تطل فيها على الناس من خشبة المسرح العالمي. فها هم الدبلوماسيون السعوديون، في بقعة نائية عن بلادهم، يتوسطون لإبرام صفقة في قضية لا يوجد لها أي علاقة واضحة بالشرق الأوسط.

يقول دبلوماسي بريطاني على اطلاع بما يجري من حراك سياسي: "هذه هدية من بوتين إلى محمد بن سلمان. أراد لها بوتين أن تتم، وأراد أن تبدو كما لو أن السعوديين حققوا ذلك عبر الجهود الدبلوماسية."

بعد أربعة سنين من التراجع في الساحة الدولية بسبب اغتيال المعارض والصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد رجال أمن تابعين لمحمد بن سلمان في إسطنبول، يشهد وريث العرش السعوي الآن مرحلة من العودة وإعادة الاعتبار عالمياً. تأتي محاولاته لترسيخ وضع المملكة كقوة إقليمية وعنصر فاعل عالمياً ضمن الغايات الأساسية التي يسعى الأمير الذي يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً إلى تحقيقها. لم يندد المسؤولون السعوديون بغزو بوتين لأوكرانيا كما أن موسكو لم تبد امتعاضاً من غزو المملكة العربية السعودية لليمن على مدى السنوات الخمس الماضية – في حرب تركت الجارة معدمة وفي حاجة مستمرة لكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية.

وهذا الأسبوع حذرت منظمات غير حكومية من أن عدم تجديد الهدنة في اليمن سوف يفاقم من معاناة الملايين. ولكن الدمار الشامل والمعاناة الإنسانية في أوكرانيا ليست مما يحظى باهتمام في الخطاب السعودي. ولا يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يثير حفيظته ما يصدر عن بوتين من اعتناق لقومية الدم والتراب وتعهد باستعادة الأمجاد الضائعة للاتحاد السوفياتي. بل لقد ظهرت مؤشرات، في الحقيقة، تدل على أنه يرغب في تقليد الطاغية الروسي باعتناق قومية دم وتراب خاصة به.

في عام 2016، عندما كان الأمير محمد بن سلمان مازال نائباً لوزير الدفاع، دعا الأمير الذي كان حينها في الثلاثين من عمره، دبلوماسيين بريطانيين، كان من بينهم ضباط في جهاز المخابرات البريطانية إم آي 6، إلى الرياض. وكان الهدف الوحيد للقاء هو طلب المشورة من بريطانيا حول كيفية التعامل مع بوتين.

بعد عدة سنوات، وفي تصريح لصحيفة ذي أوبزيرفر، قال أحد البريطانيين الذين حضروا اللقاء: "لقد كان مفتوناً به، ويبدو أنه كان يحترمه، وكان يحب ما يصدر عنه من أفعال."

 

اقرأ أيضا: محامي ابن سلمان: تعيينه رئيسا للوزراء يحصّنه أمام محاكم أمريكا

في السنوات اللاحقة منذ ذلك الوقت، درج الأمير محمد بن سلمان على تقليد الرجل الذي درسه، فقمعه لأي مخالف ما هو إلا صدى لما يفعله الزعيم الروسي، وضمن نفس المنوال تأتي نشأة الدولة البوليسية في السعودية والتي تقوم على قواعد من القومية العربية ويتم تأمينها من خلال السيطرة على المعارضين واحتواء الأوليغاركيين وتعزيز قاعدة النفوذ.

زادت أواصر الوحدة بين الرجلين خلال الأشهر الثمانية الأخيرة بسبب كرههم المشترك لبايدن، والذي قادت إدارته الجهود لتسليح الجيش الأوكراني وإلجاء الجيش الروسي إلى تكبد سلسلة من الهزائم المذلة. وقد تزعم بايدن الجهود لتهميش محمد بن سلمان، الذي سره أن يرى الزعيم الأمريكي يسافر إلى جدة ثم يغادرها خالي الوفاض.

وعن ذلك يقول المسؤول البريطاني: "يرى بوتين في ذلك ما يشبه النظام العالمي الجديد، ويظن أن بإمكانه أن يصطحب محمد بن سلمان معه." ويضيف: "يربض السعوديون على ثروة نفطية هائلة، والتي ما زالت تلعب دوراً استراتيجياً مهماً. فلا تسقطوا من حسابكم النفط كأداة سياسية، ولعقود قادمة. يعلم محمد بن سلمان ماذا يعني أن يُرى وهو يساعد بوتين، ولكنه لا يأبه. وليس هذا مما يأبه له الليبراليون التقدميون، الذين يرون الزعامة من خلال نفس العدسة".