صحافة دولية

الاحتجاجات الداعمة لفلسطين تشكل تحديا لبايدن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية

تتراجع شعبية بايدن بين الأمريكيين العرب والمسلمين بسبب دعمه للاحتلال الإسرائيلي- الأناضول
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا أعده تيم كريغ، قال فيه إن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين يوم الاثنين، التي تسببت باختناقات لحركة المرور في المدن الأمريكية، يمكن أن تنذر بصيف متقلب من الاحتجاجات، ما يخلق تحديا للرئيس جو بايدن، ويثير جدلا حول ما إذا كانت تكتيكات بعض الناشطين تهدد بتقويض الدعم العام لحركتهم.

وأغلق المتظاهرون الطرق الرئيسية لساعات في مدن، من بينها سان فرانسيسكو ونيويورك، كجزء من حملة عالمية لزيادة الوعي بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة في يوم الضرائب الأمريكي.

وفي شيكاغو وسياتل، أغلق المتظاهرون مداخل المطارات الدولية، ما أجبر المسافرين وأطقم الطيران على السير إلى محطات الطيران أو احتمال تفويت رحلاتهم. وفي سان فرانسيسكو، اضطرت الشرطة إلى استخدام معدات اللحام لتحرير المتظاهرين من جسر باي بعد أن ربطوا أنفسهم بالأنابيب.

وذكر المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن الاحتجاجات تأتي بينما تتجه الولايات المتحدة إلى وقت حساس يتعلق بالانتخابات الرئاسية. سيظهر بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب في مؤتمرات الترشيح لحزبيهما هذا الصيف، ويبدو أن كلا الحدثين يستعدان لجذب عدد كبير من المتظاهرين. يصادف هذا الصيف أيضا مرور أربع سنوات على اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد بعد وفاة جورج فلويد في مينيابوليس، حسب التقرير.

وبالفعل، بدأ أعضاء الكونغرس، ومديرو الكليات، وبعض رؤساء البلديات في المدن الكبرى في التحكم بشكل أكبر في من يشارك في فعالياتهم لمحاولة تقليل الاضطرابات. تحذر بعض الكليات، بما في ذلك جامعة ميشيغان، الطلاب صراحة من أنهم قد يواجهون الطرد إذا قاموا بتعطيل أحداث الحرم الجامعي في نهاية الفصل الدراسي، حسب المقال.

وذكر الكاتب أنه على الأقل حتى الآن، كانت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين صغيرة نسبيا مقارنة بمظاهرات "حياة السود مهمة" في عام 2020. ويحذر المحللون أيضا من أن هناك حدودا تاريخية لمدى حجم الحركة الاجتماعية التي يمكن أن تنمو عندما لا تحدث المسألة المطروحة في الولايات المتحدة أو تشترك فيها القوات الأمريكية بشكل مباشر.

ولكن مع تعهد منظمي الاحتجاج المؤيدين للفلسطينيين بأن تحرك يوم الاثنين كان مجرد بداية لمزيد من الفعل المباشر، يقول المحللون إنه من شبه المؤكد أن المظاهرات ستضيف المزيد من عدم القدرة على التنبؤ إلى التقويم السياسي لهذا العام.

ونقل المقال عن عمر واسو، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي والذي درس حركات الاحتجاج على نطاق واسع منذ عصر الحقوق المدنية: "إذا استمر هذا لمدة ستة أشهر أخرى، أتوقع أن تتصاعد أنواع التكتيكات المستخدمة وأن نشهد المزيد من الاحتجاجات المتطرفة. سيصبح هناك فصيل أكثر تشددا يدعو إلى تكتيكات أكثر تطرفا".

ويشير المحللون إلى أن الحركة المؤيدة للفلسطينيين أصبحت الآن عبارة عن شبكة مترامية الأطراف من المجموعات، التي لدى العديد منها وجهات نظر مختلفة حول التكتيكات المقبولة أو الفعالة. تتمتع العديد من الجماعات ببنية قيادية منتشرة - أو لا يوجد قائد على الإطلاق - وهذا يمكن أن يجعل من الصعب بشكل خاص التنبؤ بالخطوات التالية للحركة. وأشار واسو إلى أنه خلال عصر الحقوق المدنية، كانت هناك مجموعة أكثر تماسكا من القادة الذين وضعوا معالم إرشادية لنوع التكتيكات التي يمكن استخدامها في لحظات مختلفة من الزمن.

لكن المحللين يقولون إن أي نشاط احتجاجي سيتحقق في الأسابيع المقبلة سيشكل تحديا جديدا لبايدن، الذي يكافح من أجل تحقيق التوازن بين دعم إدارته لإسرائيل والمطالب المتزايدة من ائتلافه الليبرالي الذي يضغط من أجل إنهاء فوري للصراع.

قبل أربع سنوات، وسط احتجاجات حياة السود مهمة، كان ترامب هو من كان في البيت الأبيض حيث أصبحت بعض المظاهرات مدمرة وهزت ثقة بعض الأمريكيين في استقرار الأمة.

وهذا العام، سيضطر بايدن إلى طمأنة الناخبين إذا أصبحت الاحتجاجات التخريبية شائعة. ويجب عليه أيضا أن يكسب الناخبين الشباب الذين يشكلون جزءا كبيرا من الحركة المؤيدة للفلسطينيين بشكل عام.

ولفت التقرير إلى أن فنسنت بونس، الأستاذ المشارك في كلية هارفارد للأعمال، أصدر مؤخرا دراسة تظهر أن الحركات الاحتجاجية بشكل عام لا تأخذ في الحسبان الاعتبارات السياسية للأميركيين في صناديق الاقتراع. ومن بين 14 احتجاجا وحركة تمت دراستها من عام 2017 حتى عام 2021، خلص بونس إلى أن مظاهرات "حياة السود مهمة" فقط في عام 2020 هي التي "زادت الأصوات لصالح الديمقراطيين".

وجاء في التقرير: "بشكل عام، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى النجاح المحدود لموجات الاحتجاج الأخيرة في تغيير معتقدات وسلوك الناخبين الأمريكيين، على الأقل على المدى القصير".

ومع ذلك، يقول بونس إن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين قد تشتد في الأشهر المقبلة، لأن النشطاء يعرفون أن بايدن "لا يريد التعطيل".

وقال بونس: "استمرار الاحتجاجات أم لا سيعتمد على ما إذا كانت الإدارة ستسمعها أم لا. حقيقة أن الاحتجاجات ستحدث في وقت قريب جدا من الانتخابات الرئاسية قد تعني ضمنا أن الإدارة من المرجح أن توليها الاهتمام".

يوافق واسو على ذلك، قائلا إن أحد الدروس المستفادة من عصر الحقوق المدنية هو أن "التكتيكات الأكثر تطرفا" التي يستخدمها المحتجون تميل إلى أن تكون أكثر تأثيرا "مع النخب" الذين يحاولون الحماية من الاضطرابات.

قال واسو: "عندما يستخدم المتظاهرون تكتيكات متطرفة، فقد يخسرون الرأي العام، لكن مع ذلك يحصلون على فرصة إرسال إشارة إلى القادة الذين يريدون بعد ذلك إدارة المشكلة. وبهذه الطريقة، فإن التكتيكات الأكثر تطرفا قد تلحق الضرر بك في صناديق الاقتراع... ولكنها يمكن أن تساعدك أيضا في الحصول على استجابات سياسية من القادة".

ويحدث تطور الاحتجاج المؤيد للفلسطينيين مع تحول الرأي العام حول الحرب في غزة. وفي أواخر شهر آذار/ مارس، نشرت مؤسسة غالوب استطلاعا للرأي أظهر أن 55% من الأمريكيين يرفضون العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، بينما يوافق عليها 36% منهم. ويوافق الآن 18% فقط من الديمقراطيين على هذا الإجراء، انخفاضا من 36% من الديمقراطيين الذين وافقوا عليه في تشرين الثاني/ نوفمبر.

لكن المحللين يحذرون من أن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين قد يقوضون الرأي العام إذا شعر الجمهور أن المتظاهرين يلجأون إلى أساليب احتجاجية متطرفة للغاية، حسب المقال.

وأجرى روب ويلر، أستاذ علم النفس وعلم الاجتماع بجامعة ستانفورد، بحثا يظهر أن "التكتيكات المتطرفة تقلل من الدعم الشعبي للحركات الاجتماعية". وقال ويلر إن الدعم العام يبدأ بالتحول بعيدا عن الحركات التي تنخرط في "تدمير الممتلكات، أو الأذى الجسدي لأشخاص آخرين، أو تعطيل كبير للحياة اليومية".

وقال ويلر إن منع الوصول إلى المطارات الرئيسية أو الطرق السريعة، كما فعل المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين يوم الاثنين، يندرج بشكل عام ضمن الفئة التي قد تؤدي إلى رد فعل قوي من الجمهور. ومع ذلك، تميل هذه التكتيكات إلى زيادة اهتمام وسائل الإعلام، لذلك يرى بعض الناشطين أن المقايضة تستحق المغامرة.

وقال ويلر: "نحن نسميها معضلة الناشطين. إنه [أسلوب الاحتجاج هذا] جيد حقا في جذب انتباه وسائل الإعلام... لذا فإن الحركات المختلفة، في مراحل مختلفة من التعبئة، قد يكون لها حسابات مختلفة حول ما إذا كانت المقايضة تستحق المغامرة".

خليل أبو عليا، وهو فلسطيني أمريكي من الجيل الثاني ساعد في تنظيم بعض المظاهرات غير البارزة في جامعة ميسيسيبي، يشعر بالقلق بشأن الخلافات الداخلية داخل الحركة.

ويقول أبو عليا إنه خلال الأشهر الستة الماضية، أصبح الأمريكيون أكثر دراية وتعاطفا مع القضية الفلسطينية. على سبيل المثال، لم يعد زملاؤه في الحرم الجامعي يسألونه عما إذا كان من باكستان عندما يخبرهم أنه من فلسطين.

لكنه يخشى أن يكون بعض التقدم الذي أحرزه هو ونشطاء آخرون معرضا للخطر إذا قام متظاهرون آخرون "بإغلاق الطرق والجسور وإيذاء الناس".


وقال أبو عليا: "أشعر أنها لعبة خطيرة، لأننا في تلك اللحظة، وفي ذلك الوضع، نشكل وجه المشكلة. هناك عواقب حياة واقعية لكل ما نقوم به".

ومع ذلك، يرى أبوعليا بعض القيمة في جعل بايدن يشعر بعدم الارتياح. وقد قرر طالب الصيدلة بالفعل أنه لن يصوت لبايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر، مما يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الرئيس في الفوز بشكل حاسم بالناخبين الشباب كما فعل في عام 2020.

وقال أبو عليا (23 عاما) في حديثه لمعد التقرير: "أنا بالتأكيد لن أصوت لبايدن. لقد جلس هناك وشاهد لمدة ستة أشهر بينما يتم تدمير عائلاتنا" في غزة.

ونقل المقال عن يوسف شحود، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كريستوفر نيوبورت في فرجينيا، قوله إن الاحتجاجات المستمرة ستسلط الضوء بشكل أكبر على مقدار الدعم الذي فقده بايدن بين الدوائر الانتخابية الديمقراطية الأساسية بسبب الحرب.

وقال شحود، وهو أمريكي من أصل مصري، إن هناك "شريحة كبيرة" من الأمريكيين المسلمين سيحجبون أصواتهم عن بايدن إذا أجريت الانتخابات اليوم.

وقال شحود: "لا أرى أي دليل على أن [الاحتجاجات] ستفقد قوتها. قد تتغير من حيث الأسلوب، ولكن من حيث الكثافة... لا يزال هذا في مقدمة اهتمامات شريحة كبيرة من الناخبين الديمقراطيين".