صحافة دولية

تفاصيل 19 يوما.. كيف منع البيت الأبيض نشوب حرب شاملة بين إيران والاحتلال؟

قالت الصحيفة إن حجم الهجوم الإيراني الأول ضد إسرائيل تطابق مع السيناريو الأسوأ الذي توقعته المخابرات الأمريكية- الأناضول
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا حللت فيه النقاشات الداخلية في داخل البيت الأبيض لمنع حرب شاملة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، عقب تصاعد التوترات بينها على خلفية استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن الإدارة الأمريكية سابقت الزمن، وعلى مدى 19 يوما لمنع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران، مشيرة إلى أن الرئيس جو بايدن وفريقه من الأمن القومي، راقبوا يوم 13 نيسان /أبريل وبقلق من "سيتويشن روم" (غرفة الوضع) في البيت الأبيض، 30 ثم 60، وبعد ذلك أكثر من 100 صاروخ باليستي وهي تندفع نحو إسرائيل.

وأضافت أن الصواريخ الإيرانية وأسرابا من المسيرات كانت في الجو، ومؤقتة للوصول في وقت واحد مع المسيرات، وهو ما أخاف بايدن وفريقه من إمكانية إغراقها الدفاعات الإسرائيلية القوية التي قضى مع إسرائيل أسبوعا لتحضيرها. 

وعلقت الصحيفة على أن حجم الهجوم الإيراني الأول ضد إسرائيل، تطابق مع السيناريو الأسوأ الذي توقعته المخابرات الأمريكية، فهو لم يهدد حليفا قويا، ولكنه هدد بانتشار الحرب التي قضى بايدن ستة أشهر محاولا منع انتشارها وتوسعها كحرب إقليمية واسعة.

وذكرت أنه في غرفة الوضع، اجتمع بايدن وفريقه ولم يكونوا متأكدين من قدرة النظام الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي، الذي عززته القوات الأمريكية بدفاعات مضادة للصواريخ والمسيرات خلال الأيام العشرة الماضية، على منع نسبة 99% من الهجوم الإيراني. وقال مسؤول بارز في إدارة بايدن: "كانت نتيجة الدفاعات غير واضحة بعدما قيل كل شيء وفعل". 

 ورأت الصحيفة أن الانتظار المزعج في أثناء وابل الصواريخ والمسيرات الإيرانية، كان أكثر اللحظات قلقا في أزمة استمرت 19 يوما، وجد فيها بايدن وفريقه للأمن القومي نفسه غير عارف أو دون معلومات واضحة حول ما ستفعله إسرائيل أو إيران.  

وأشارت إلى أن الأزمة بدأت عندما قررت إسرائيل القيام بعمل فردي، دون استشارة أو إخبار الولايات المتحدة، وضربت القنصلية الإيرانية في دمشق، وانتهت بعد تحالف عسكري أمريكي وأوروبي أفشل الضربة الإيرانية، وظهرت إسرائيل وكأنها تستمع للمطالب الأمريكية بضبط النفس.  

وبدأت الأزمة في 1 نيسان /إبريل باغتيال إسرائيل مسؤولا بارزا في الحرس الثوري، وهو الجنرال محمد رضا زاهدي، الذي كان يشرف على عمليات الحرس الثوري في سوريا ولبنان مع عدد من المسؤولين العسكريين الذين ماتوا في الغارة على القنصلية. وقبل توجيه الضربة بدقائق، أخبر المسؤولون الإسرائيليون الأمريكيين بأنهم في الطريق لضرب هدف إيراني، دون تحديد المكان أو طبيعة المستهدف، حسب الصحيفة.

وعلم البيت الأبيض عن هجوم إسرائيلي وقع في نفس يوم استهداف القنصلية الإيرانية، فقد استهدفت مسيرة إسرائيلية قافلة من عمال الإغاثة في غزة، وقتلت سبعة من موظفي المطبخ المركزي العالمي، الذي أنشأه الطباخ المعروف خوسيه أندريس، وفقا للصحيفة. 


وبعد غارة دمشق بوقت قصير كان السفير الإسرائيلي مايكل هيرتسوغ في واشنطن والمحلق العسكري في البيت الأبيض، حيث عقد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وعدد من مساعديه لقاء عبر الفيديو مع المسؤولين الإسرائيلي، وشرح هيرتسوغ أن إسرائيل استهدفت زاهدي وعددا من المسؤولين العسكريين، حسبما قال المسؤولون الأمريكيون.  

وقالت الصحيفة؛ إنه مع انتظار المسؤولين في واشنطن وإسرائيل الرد الإيراني، فإن أحدا منهم لم يتوقع أن يكون الرد مباشرا، وهو أمر لم تفعله إيران أبدا. وعبر المسؤولون الأمريكيون عن انزعاجهم من الضربة الإسرائيلية، وأنها قد تؤدي لتعرض القوات الأمريكية لهجمات من جماعات إيران الموالية لها في كل من العراق وسوريا، حيث يتمركز حوالي 4,500 جندي ومتعاقد أمني في القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة.

وتوقع الأمريكيون ضربة إيرانية ضد سفارة إسرائيلية في الخارج. وبعد الهجوم على سوريا، طلب المسؤولون الإيرانيون من السفارة السويسرية، التي ترعى المصالح الأمريكية في إيران، إرسال رسالة تهديدية لأمريكا، وتحملها المسؤولية عن الهجوم. وهو ما نفته الإدارة الأمريكية.

وبعد يومين، عبر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن انزعاجه من الضربة الإسرائيلية في مكالمة هاتفية مع يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، وأنه لم يذكر شيئا مع أنه كان في البنتاغون قبل أسبوع. وعبرت إيران عن غضبها من خسارة قائد عسكري على علاقة وثيقة مع القيادة الإيرانية وقتل في قنصلية دبلوماسية، وهو ما حاول الإسرائيليون نفيه للأمريكيين. وبعد فشلها في تأمين شجب في مجلس الأمن للهجوم الإسرائيلي، أعربت عن نيتها الانتقام. 

 وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 3 نيسان/أبريل: "لن يمضي الهجوم دون جواب". وجاء الهجوم الإسرائيلي في وقت وصلت فيه العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية لمستوى جديد من التوتر، ففي مكالمة هاتفية في 4 نيسان/أبريل، أخبر بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن موقف إسرائيل تراجع عالميا، بسبب استهداف موظفي المطبخ المركزي العالمي. وهناك حاجة لأن تسمح إسرائيل بمزيد من المساعدات الإنسانية ومنع الضحايا بين المدنيين، وأن الولايات المتحدة ستحكم على إسرائيل من خلال النتائج. ولكنه أخبر نتنياهو أن أمريكا ستحمي إسرائيل، وأمر البنتاغون بزيادة الجهود لحماية إسرائيل، وإعادة تفعيل الخطط لمساعدة إسرائيل في الأزمة، وفقا لما أورده تقرير الصحيفة.

وفي أثناء استقبال بايدن رئيس الوزراء الياباني في 10 نيسان /أبريل، تنحى أوستن بالرئيس جانبا، وطلب منه الإذن بحرف مسار المدمرة يو أس أس كارني، التي كانت في طريق العودة إلى ميناء فلوريدا، لكي تنضم إلى المدمرة يو أس أس أرليت بيرك المتمركزة في شرق البحر المتوسط، كي تساعد في إسقاط الصواريخ الباليستية القادمة مع معترضات أس أم- 3 التي لم تستخدم أبدا في القتال.


وذكرت الصحيفة أن فريقا عسكريّا أمريكيّا سافر سرّا إلى إسرائيل، للعمل في مركز دفاعات صاروخي بتل أبيب مع المسؤولين الإسرائيليين. وتوقع الأمريكيون إرسال إيران قوة جماعية كبيرة، ولهذا تم جلب مقاتلات أف-15 إي إلى المنطقة؛ كي تساعد في إسقاطها. وتم وضع خطط لكي تدافع السعودية والأردن عن مجاليهما الجوي. وتم نقل المدمرة يو أس أس-أيزنهاور في البحر الأحمر قبالة الساحل اليمني، قريبا من إسرائيل كي تكون قادرة على إرسال مقاتلات لإسقاط صواريخ قد يطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل. وعمل المساعدون الكبار لبايدن عبر الهاتف من أجل حث الحكومات الأخرى على إخبار إيران بخفض التوتر. 

 واستخدام مدير "سي آي إيه"، وفقا للصحيفة، ويليام بيرنز علاقاته مع مسؤولي الاستخبارات الأوروبية والشرق أوسطية وتركيا لحث إيران على ضبط النفس. وحتى عندما بدأ الإيرانيون بتحريك الصواريخ والمسيرات من المخازن، لم يكن من الواضح للاستخبارات الأمريكية حجم الهجوم. وتوقع مسؤولو استخبارات أن تضرب إيران سفارات إسرائيلية أو مواقع تابعة لها في الخارج. ومع مرور الأيام دون تحرك إيراني، تأكد للأمريكيين والإسرائيليين أن إيران تخطط لهجوم مباشر. والسؤال، متى سيأتي وماذا سيستهدف؟ حسب الصحيفة.
 
 ووصل قائد القيادة المركزية الجنرال إريك كوريلا إلى إسرائيل في 11 نيسان/أبريل ضمن زيارة للمنطقة، وأراد البقاء هناك ليراقب العملية، لكن أوستن أمره بالخروج حتى لا تظهر الولايات المتحدة بمظهر المتواطئة، لكنه استمر بمتابعة الوضع من الأردن، وفقا للتقرير.

ومع وصول بايدن إلى شاطئ ريبوث، في ديلاوار ليلة الجمعة، 12 نيسان/أبريل، أصبح الهجوم الإيراني واضحا، و"أصبح لدينا معلومات قوية ومحددة عن التوقيت" كما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، وهو ما دفع بايدن لقطع إجازته والعودة سريعا إلى واشنطن. وفي غرفة الوضع بالبيت الأبيض والبنتاعون، تم تحديد ثلاث موجات من الصواريخ والمسيرات التي انطلقت من إيران.

وحتى مع التحذيرات المبكرة، كان حجم الرد الإيراني صادما للمسؤولين. وقال مسؤول بارز : "كان هذا، على ما أعتقد في أعلى مستوى ولما كنا نتوقعه". وكانت الموجة الأولى من المسيرات القتالية وعددها 150 تحتاج إلى سبع ساعات كي تصل إلى إسرائيل، ثم جاء إطلاق 30 صاروخ كروز، التي تحتاج لوقت ساعتين أو ثلاث ساعات. وآخر الموجات كانت الصواريخ الباليستية، التي تحتاج إلى دقائق كي تصل إلى إسرائيل. ووقت الإيرانيون الهجمات لكي تصل متزامنة وتغرق الدفاعات الجوية، واستهدفوا الأهداف العسكرية وليس المدنية، مثل قاعدة نيفاتيم في النقب، التي تتمركز فيها مقاتلات أف-35.

واستطاع كوريلا بناء نظام دفاعي لاعتراض الصواريخ، وكان التحالف قادرا على مواجهة 50 صاروخا باليستيا، أما  100 في نفس الوقت فلم يجرب من قبل. واستطاع نظام السهم الإسرائيلي اعتراض معظم الصواريخ، وكذا المدمرتان الأمريكيتان في شرق المتوسط وبطاريات باتريوت أمريكية في أربيل شمال العراق. أما المسيرات، فقد أسقطها الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون وإسرائيل. وبعد مواجهة الهجوم الإيراني، عقد بايدن مكالمة متوترة مع نتنياهو، وطلب منه أخذ الفوز الذي حققه بإفشال الهجمات الإيرانية، وذكره بأن الغارة على دمشق محت القيادة العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، وفقا للتقرير.