مقالات مختارة

توماس فريدمان ..القيادة من الداخل

1300x600
كتب توماس فريدمان: لستُ أدري ما الخطوات الكافية التي يجب اتخاذها للوقوف في وجه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وفي وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنني أعرف تماماً ما هو ضروري فعله. لم تُجدِ استراتيجية «القيادة من الخلف» التي اعتمدها الرئيس أوباما في ليبيا نفعاً ولا استراتيجية «القيادة من الأمام» التي اعتمدها الرئيس بوش لشنّ هجوم غير مرحّب به في العراق. بالتالي، يجب إعادة إحياء استراتيجية أميركا العظمى القائمة على القيادة من الداخل.

كي تتمكن أميركا من قيادة الدول بفعالية، يجدر بها كسب احترامها وذلك حين تبيّن لهذه الدول بأننا نلتزم تنفيذ مهام صعبة وعظيمة في الداخل، تستدعي حشد طاقات كافة أنحاء البلد وليس فقط طاقات جنودنا العسكريين. فبهذه الطريقة تُلهم أميركا الآخرين. وأوّل ما ينبغي على الرئيس الأميركي والكونغرس فعله حالياً في الداخل هو رفع الحظر الذاتي المفروض على صادرات النفط الأميركي، الأمر الذي من شأنه خفض سعر النفط الخام المرتفع عالمياً إلى جانب إجراء الإصلاحات الضريبية الشاملة التي كان من المفترض تطبيقها منذ زمن والتي تعزّز بيئتنا وأمننا. ويمكن حصول ذلك من خلال فرض ضريبة على انبعاثات الكربون ومرافقة ذلك بخفض الضرائب المفروضة على المدخول الشخصي وعلى الرواتب وعلى الشركات. فلا شيء أكثر من ذلك كفيل بتقويتنا وبإضعاف بوتين وتنظيم «داعش».

كيف ذلك؟ أولاً، يجب فهم النقاط المشتركة بين بوتين وتنظيم «داعش». فكلاهما يرغب في ارتكاب أقذر الأعمال من خلال ارتداء الأقنعة لأنهما يعرفان في قرارة نفسيهما أنّ ما يقومان به مخزٍ. يقوم أعضاء تنظيم «داعش» بتغطية وجوههم فيما يتلطى بوتين خلف وجه البوكر.

ويبدو أنّ كليهما يدرك أنّه عاجز عن الترويج لأفكاره أو تأثيره فيعمدان بالتالي إلى فرضها بالقوة. فيقول تنظيم «داعش» لضحيته «إما أن تعتنق الإسلام المتشدّد أو أقطع رأسك» فيما يقول بوتين «إما الخضوع لنفوذ روسيا أو مهاجمتك والقضاء على نظامك».

ومن الواضح أنّ كليهما يستخدم القوة، مدفوعاً برغبة جامحة بتخطي إهانات الماضي. يرى بوتين أنّ الإهانة تتمثّل في ضعف روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 والذي وصفه ذات مرة بأنها «أعظم كارثة جيوسياسية» في القرن العشرين أدت إلى إبعاد ملايين المتحدّثين الروس خارج الدولة الروسية. أما الإهانة بالنسبة إلى تنظيم «داعش» فتتمثّل في تخلّف معظم الدول العربية والإسلامية عن حضارة القرن الحادي والعشرين على كافة الأصعدة المتعلقة بتطوّر الإنسان مثل التربية والتنمية الاقتصادية والاكتشافات العلمية ومحو الأمية والحرية وتمكين المرأة. ويعدّ منع الأوكرانيين من ممارسة إرادتهم الحرة هو الأسلوب الذي يستخدمه بوتين من أجل إظهار قوة روسيا الحقيقية والوحيدة المتبقية أي قوتها الغاشمة. كما أنّ قطع رؤوس الصحفيين الأميركيين العزّل هي الطريقة التي يستخدمها تنظيم «داعش» للقول بأنّه قوي شأنه شأن الولايات المتحدّة. وكلاهما يبحث عن كسب الاحترام في الأمكنة الخطأ.

وينوي كلّ من بوتين وتنظيم «داعش» إعادة إنشاء الدول من أمجاد الماضي من أجل تحويل انتباه شعوبهما عن عجزهما في بناء اقتصاديات حقيقية. يسعى تنظيم «داعش» إلى إرساء «الخلافة» فيما يتطلّع بوتين إلى إرساء «روسيا الجديدة» (أو شرق جنوب أوكرانيا الناطق باللغة الروسية). وكلاهما ينوي إعادة كتابة القواعد السائدة في النظام الدولي التي وضعتها، برأيهما، أميركا والغرب لمصلحتهم وليس لمصحلة العرب أو الروس. كما أنّ كليهما يعتمد بشكل كبير على استغلال أسعار النفط أو الغاز المرتفعة لتمويل أفعالهما الجنونية.

وأشار أندي كارسنر الذي كان أمين السرّ المساعد في مجال الطاقة في إدارة بوش والذي يعمل حالياً مديراً تنفيذياً لشركة «مانيفيست إنرجي» إلى أنّ طريقة هزيمة عدوّ مماثل تتطلب أن نكون مجانين كالذئب. فنحن نملك رصاصة تصيب كليهما: تخفيض سعر النفط.

وأضاف كارسنر أننا ننتج كميات نفط وغاز أكثر من أي وقت مضى. هذه هي السوق العالمية. وتابع بالقول إنّ الحكومة الأميركية تحظر تصدير نفطنا الخام. «كأننا نملك أكبر خزنة مصرفية في العالم إلا أننا ضيّعنا مفتاحها. فلنرفع هذا الحظر على الصادرات وندفع أميركا إلى فرض أسعار السوق التي تصبّ في مصلحتنا».

ولكن، يجب أن يترافق ذلك بإصلاح ضريبي يفرض رسوماً على انبعاثات الكربون ويضمن توحّدنا من أجل الاستثمار في الطاقات النظيفة التي لا تستخدم الوقود الأحفوري وتزيد الفاعلية وتعالج مشكلة تغيّر المناخ. يجب القضاء على موارد أموال أعدائنا وتعزيز الأمن وفرض الضرائب على الأعمال التي تلحق ضرراً بالبيئة. وفي حال جمعنا المال من الضرائب المفروضة على الكربون بدلاً من تلك المفروضة على المدخول، يمكننا خفض الضرائب المفروضة على المدخول والأجور والشركات وتحفيز الاستثمار وإطلاق تنافسية اقتصادنا. فبوسع الجميع اعتماد هذه الاستراتيجية مثل شركات النفط الكبرى والأشخاص الذين يعتمدون سياسات ناعمة وقاسية.

في حال تمّ تخفيض سعر برميل النفط من مائة دولار إلى 75 أو 85 دولاراً بعد رفع الحظر وفي حال طبّقنا الإصلاحات الضريبية التي تعكس التزامنا بالتنمية النظيفة، نُضعف بوتين وتنظيم «داعش» ونقوّي أميركا ونقنع العالم بأننا جديرون بالقيادة لأننا قادرون على تحقيق مهام صعبة وكبرى في الداخل تميّزنا، وليس فقط إطلاق القذائف على الأراضي البعيدة والادّعاء بأننا أنجزنا مهمّتنا.


(الوطن القطرية)