قضايا وآراء

سيناء الحاضرة الغائبة

1300x600
بعد 33 عاما من تحريرها تحتفل الدولة المصرية اليوم بذكرى تحرير سيناء، تلك الذكرى التي تحولت من وقفة سنوية لتقدير الموقف ومحاسبة النفس عما يتم في سيناء من مشروعات تعمير وبناء بعد سلسلة من الحروب الطاحنة، وإشراك الشعب في هذه المشروعات التنموية، تحولت إلى احتفالات شعبية وأفلام تراثية وأغان وطنية، وما هي إلا أيام تمر بعد 25 إبريل من كل عام حتى ترجع سيناء إلى غياهب النسيان من جديد.. فهل هذه سيناء التي أردناها؟!

كم أخذت سيناء من شبابنا لتحريرها؟ كم حربا خضناها للحفاظ على هذه القطعة الغالية والاستراتيجية من أرضنا؟ نذكر في العصر الحديث فقط ثلاث حروب هي 56، 67، 1973م، ثلاث حروب طاحنة راح ضحيتها الآلاف من شبابنا من أجل أرض سيناء فهل استرددنا ثمن هذه الفاتورة الغالية التي دفعت بالدم؟ وهل عادت علينا بالخير وعوضتنا عما بذل لها من الغالي والثمين؟!

الواقع يقول إن مصير المشروعات التي صرفت عليها المليارات منذ عهد المخلوع مبارك أصبح طي النسيان، وأصبحت هذه المشروعات خاوية على عروشها، والواقع يقول أيضا إنه لم تكتمل هذه المشروعات الهامة والحيوية فترعة السلام التي حفر لها شريان من فرع دمياط وأنشئت لها "سحارة" تحت مياه قناة السويس ومحطة رفع عملاقة على الشط الشرقي للقناة وصرفت عليها المليارات إلا أن الترعة التي امتدت عشرات الكيلو مترات داخل سيناء جافة ليس بها ماء، أما خط السكك الحديدية الذي امتد لقرابة السيعين كيلو مترا بعد كوبري الفردان والذي أنشئ خصيصا لربط خطوط السكك الحديدية بين الدلتا وسيناء فقد سرق وخلعت قضبانه دون رقيب أو حسيب وكأننا نعيش في دولة الموز. أما المشروعات السياحية في الجنوب والتي أسندت لرجال أعمال بعينهم فليس لها أي قيمة طالما ظلت الأوضاع السياسية والأمنية مضطربة.

 يعد 33 عاما من تحريرها كان هناك العديد من المشروعات الصناعية والزراعية والعمرانية كان من شأنها تغيير وجه الحياة على هذه البقعة الغالية من أرض مصر، لكن تعطيلها وتخريبها بفعل فاعل ليس لمصلحة الدولة أو الشعب بل لمصلحة العدو الذي اغتصب واحتل ويريد أن تبقى هذه الأرض التي تقدر بثلث مساحة مصر أرضا معزولة خربة لا تستفيد منها مصر بل تظل منطقة خلفية له تكون ساحة فارغة تؤمن ظهره وتكون منطقة توسعات ومناورات استراتيجية وقت اللزوم.

ترتبط سيناء الآن في العقل الجمعي المصري بالإرهاب والتفجيرات وقتل الضباط والجنود والمنطقة العازلة وتهجير الأهالي والهجوم على الأكمنة الأمنية وتنظيم "ولاية سيناء الإرهابي" وجبل الحلال وغيرها من المسميات التي استبدلت بمسميات عشنا نحلم بسماعها مثل "كويري الربط بين مصر والسعودية" أو مشروعات استصلاح الأراضي لصالح شباب الخريجين أو مشروعات شرق التفريعة والمدن الصناعية المحيطة بقناة السويس.

القوات المسلحة المصرية تخوض حربا ضروس اليوم في سيناء، لكن لصالح من؟! هل عدلت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لتسمح بتواجد دائم لجنود الجيش المصري في المنطقتين (ب) و(ج) أم أن الجيش المصري سيخوض تلك الحرب للقضاء على الإرهاب ثم يعود للخلف لتبقى هاتان المنطقتان معزولتين فتصبح مفرخة لحركات دينية متشددة مسلحة مرة أخرى؟ وهل هذه الحرب نظيفة ودقيقة ولا توجد بها أخطاء لإصابة أو قتل مدنيين من الأهالي السيناويين؟ وهل عمليات التهجير القسري لإنشاء منطقة عازلة يوافق عليها كل الأهالي؟

علينا جميعا إعادة النظر في هذه الاحتفالات طالما ظل وضع سيناء قائما على هذا الشكل المتردي، علينا أن نصالح أنفسنا ونعيد حساباتنا لأن الطريق الذي نسير فيه يستنزفنا لصالح جهة واحدة تستفيد من هذا الوضع الحالي.