قضايا وآراء

كتاب (المبتسرون).. وأزمة ضمير كبرى

1300x600
حسنا فعلت هيئة الكتاب المصرية ومكتبة الأسرة إذ أعادت نشر كتاب (المبتسرون) للدكتورة الراحلة كمدا وألما (أروى صالح)..حين رأيته لدى الباعة ابتعت كل النسخ كي أهديها بنفسي لمن أعرفهم وأثق فيهم من الشباب الطامح لأن يكون له دور في زمانه يقدم فيه جهدا وجهادا لوطنه ولما يؤمن به من أفكار..

قرأت(المبتسرون) مرة.. فهالني ما قرأت وشاءني ما فهمت.. فقلت لنفسي اعمل بنصيحة الأستاذ العقاد أقرأها مرة ثانية وثالثة.. ويا لهول ما عرفت عن الحركة الطلابية في السبعينيات.. تلك الفترة التي أرخت لها الراحلة (أروى)..

أنا أرى أن جيل السبعينيات يعد خصما من الحياة العامة في مصر وليس إضافة لها كما يتصور البعض سواء على مستوى (الحركة الإسلامية) وقد كانت هي صاحبة المد الأكبر في هذه الفترة أو على مستوى (الحركة اليسارية) وقد كانت في مرحله قصور ذاتي ودفاع عن وجود بات مهددا.. سواء بتجاوز الزمن أدبياتها أو بهجر الجماهير لها.. الأهم من كل ذلك هو العمل المهم الذى تركته لنا أروى.. التي خاضت معركه حقيقيه ومؤلمة مع الوهم والكذب والخداع – كما قالت هي -..انتهت نهاية مفجعه بانتحارها.. هذا العمل الكاشف إلى أبعد حد الفاضح إلى أبعد حد.. المرعب في صراحته المروع في صدقه ومكاشفته..

تحدثت أروى عن كل المروعات الصادمات التي أثرت بعمق عميق في حياتنا فيما أتصور انه ممتد فينا حتى الآن.. من الرئيس عبد الناصر الذى وصفته بأنه انكسرت هيبة نظامه الغشوم بالهزيمة.. هزيمة بسهوله إهانته لنا. وأضافت(صنع ناصر التاريخ ميتا كما صنعه حيا جعل من نفسه معبودا على جثه الشعب وجعل الشعب كله أسيرا مقابل مكاسب مؤقتة.. وأجبر المثقفين إما على التفاعل معه أو الإهمال والضمور في زوايا النسيان.. وكى يتقدس أسم الصنم جعل شعبا بأسره ماده لمزحة ثقيلة يلبس فيها عاره لغيره.. فجعل الرئيس السادات نائبا له).

ثم جاء الرئيس السادات وخاض معركة وجوده لا معركة الوطن وحارب وأفحم الجميع ثم بل الحرب وشرب ماءها و بقى الشعب وحده يقتات أوهاما فتسلمت إسرائيل وأمريكا مطالبهما ملفوفة في دمائنا ثم اخذ السادات يفسر صراعنا مع إسرائيل بلغه علم النفس!!).. 

تحدثت عن المثقفين والذين كانوا في الأغلب من اليسار فوصفت مشاركتهم في العمل العام بأنه مجرد وسيله للارتفاع فوق الناس الغلابة.. ومفتاح سهل لغزو الدنيا والتعالي على الناس بعد أن عجزوا عن بلوغ نقطه التقاء مع الواقع... باحثين لأنفسهم عن دور يبرر وجودهم ويعطيهم أهميه.. هذا الكلام الخطير ينطبق على كثيرين من الإيديولوجيين أصحاب الأفكار الذين يتحركون وسط الجماهير داعين ومبشرين.. ولنضع ألف خط تحت كلمه (مفتاح سهل لغزو الدنيا)...!!

 الأخطر والأخطر وصفها لمفهوم الحرية والديمقراطية لدى هذا الجيل الرائع مع ملاحظه أننا نتحدث عن نخبه ما فتئت تبشر الجماهير بفجر جديد ينشدون فيه أناشيد الحرية والتقدم فقالت:(إذا انفتحت ثغره في جدار قهره مثل أن يمسك بسلطة.. تجد أمامك وجها أخر لمستبد كريه.)...(وأصبحت النجومية السياسية والاجتماعية هدفهم وتحولوا إلى مركز طبقه يدور في أفلاكها المناضلون الآخرون من الطبقات الأخرى بوضعهم الاجتماعي وعلاقاتهم وترفهم.... يستقبلون الموهوبين الأفقر الذين استطاعوا تحقيق أبداع في مجال ما أو حتى يكونوا ظرفاء في مجالس الأكل والشرب والثرثرة التقدمية...وبين الجميع صراع صامت من اجل النجومية وكلهم يبحثون عن موطأ قدم في الهرم الطبقي الذى لا يعبأ بالنكرات) كلام خطير جدا.. وتزداد خطورته في قابليته للمقاربة حاليا خاصة بعد انتشار الفضائيات و الوسائط المتعددة...

انتقلت أروى إلى جانب أخر من جوانب علاقات المثقفين والكوادر النشطة وهو الجانب الاجتماعي حيث العلاقات المتداخلة في جوانبها المتعددة.. ففوجئت بمواقف سلوكية متناقضة مع أفكارهم ومبادئهم..
فقد جلبت الحركة الطلابية كثير من الفتيات إلى النشاط السياسي الجماهيري وهي ظاهرة في رأي أروى لم تعرفها الأجيال السابقة من اليساريين.. استقبل هؤلاء اليساريون تجاربهم مع المرأة بنفسية الوسط التقليدي الذي صنعهم.. لا بمبادئهم( فكانت تجاربهم خرقا لمحظورات قديمة لا اختيار حر لأخلاقيات جديدة ومن ثم انتهت تجاربهم المفصولة عن مبادئهم – بل التي تعقدت بها – أما إلى زواج تقليدي أو إلى تجارب في الانحلال تتجاوز مرضيتها ولا أخلاقيتها كل حد..).

ومع انهيار الحلم أصبح الهم الحقيقي هو أن يؤمن كل فرد نفسه ماديا وأصبحت الأسرة بعد العمل هي الحصن الرئيسي للفرد لقد تحولت العلاقة التي رجعت إلى القواعد الاجتماعية السائدة إلى مؤسسة يحتمي بها الزوجان من ضراوة الأوضاع المحيطة ومن إحساسهما بالعجز وعدم اتساق الذات ولا كليهما يحتمي بهذه المؤسسة في إطار أناني محض فان الزوجين اللذين تبددت أوهامها عن أحدهما الآخر لا يقدمان دعما إنسانيا لاحدهما الآخر بل يتجاوران تجاورا شائكا في أحسن الأحوال وبرز عنصر جديد هو المنافسة بين الزوجين في إثبات الذات كما أن الملل الزوجي المحتم في المؤسسة يجد له متنفسا في الخيانة الزوجية...

حين قالت كلمتها الأخيرة.. فضحت الجميع.. وحين أدركت حجم الخطيئة التي وقعت فيها لم تجد أمامها سوي الانتحار.