مقالات مختارة

فيلم أمريكي عن معاملة السود في الولايات المتحدة

1300x600
نص التعديل الدستوري الثالث عشر على إلغاء الرق والعبودية، واقترح هذا التعديل في 31 يناير 1865، وتمت المصادقة عليه في 6 ديسمبر من العام نفسه. وقبل ذلك بعامين كان الرئيس "أبراهام لينكولن" قد أعلن تحرير العبيد في الولايات الكونفدرالية، وقد أكمل هذا التعديل عملية إلغاء العبودية في الولايات المتحدة كلها على المستوى الرسمي.

ومنذ يومين شاهدت فيلما استثنائيا بعنوان (الثالث عشر ــ The 13th) عن أحوال السود الأمريكيين، وخلص الفيلم الوثائقي الذي تم ترشيحه للأوسكار هذا العام، إلى أن التعديل ليس إلا حبرا على ورق في الواقع، وأن العبودية ما زالت منتشرة في الولايات المتحدة في صور عدة من أهمها على الإطلاق "السجون الأمريكية".

يُظهر الفيلم حال السجون الأمريكية المكتظة بما يزيد على ربع المساجين على كوكب الأرض، وذلك على الرغم من أن عدد سكانها يقل عن 5 بالمائة من سكان العالم. ويؤكد الفيلم أن واحدا من بين كل ثلاثة رجال سود يتعرض للسجن في حياته. 

ويعرض الفيلم حقيقة اكتظاظ السجون بأعداد مساوية لأعداد العبيد في ولايات الجنوب حال بقائهم هناك، وهو ما يزيد على مليوني رجل. كما يعرض الفيلم بالتفصيل كيف تضخمت صناعة السجون في أمريكا وتوحشت، وأصبح هناك لها لوبي قوى للغاية بواشنطن، يمثل بالأساس الشركات المتعاقدة مع إدارات السجون من أجل توريد ملابس أو غذاء ملايين المسجونين، أو شركات الأمن الخاصة التي توفر الحماية للسجون الفيدرالية. 

ويربط الفيلم بصورة بديعة ماضي العبودية في أمريكا بتاريخ حركة الحقوق المدنية وقبلها بمرحلة إلغاء الرق، ثم ينتقل لكيف استعمل رجال الشرطة البيض لصفة الإجرام وإلصاقها بالرجال السود، وكيف زادت أعدد المسجونين من أقل من مائتي ألف شخص عام 1970 لتتخطى اليوم المليوني سجين، نصفهم من السود على الرغم من أن نسبة الرجال السود لا تتعدى 7% من عدد سكان الولايات المتحدة. 

وينتهي الفيلم على كلمات دونالد ترامب العنصرية التي يتودد فيها للشرطة ودولة الحزم والقانون، متوعدا من يخرج على القواعد الموضوعة، وفي الوقت نفسه تبرر نهاية الفيلم ظهور حركة Black Lives Matter وهي حركة نشأت في المجتمع الأمريكي الإفريقي، تهدف إلى التخلص من العنف ضد الأشخاص السود.

ميراث العبودية في أمريكا شديد القبح، وعلى الرغم من توقف استيراد العبيد من إفريقيا عام 1806، فإن الأمر تطلب حربا أهلية ضروسا للتغلب على هذا التراث. ولا تزال هناك مظاهر مختلفة من التفرقة غير القانونية، وهي تفرقة بأثر رجعي، تتمثل في عدم الاندماج الكامل للسود بنسب تعكس تعدادهم في الحياة العامة، على الرغم من وجود رئيس أسود سابق بين عامي 2008 ــ 2016.

 من هنا، يصعب القول بأن الأمريكي الأسود قد نال كل الحقوق، والفرص المتاحة لنظيره الأبيض بعد، نعم تحسنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة. صحيح أنهم لم يعودوا يمنعون من دخول المطاعم والمسارح ودور السينما، ونعم هناك الكثير من رؤساء الشركات ورؤساء المدن والصحفيين والناجحين في كل المجالات، إلا أن هناك معضلات تستعصي على الحل أمام ما يقرب من 40 مليون أمريكي أسود، من أهمها الفقر إذ يعيش 26% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 14% على المستوى القومي، ويقصد بالفقر هنا حصول عائلة مكونة من أربعة أفراد على أقل من 24 ألف دولار سنويا.

 وفي التعليم، يتعرض التلاميذ السود في حالات الإخلال بالنظام لعقوبات أكثر صرامة من نظرائهم البيض، ويجد الكثير من التلاميذ السود أنفسهم في مدارس ضعيفة التجهيز. وفي مجال الصحة العامة، يبلغ معدل عمر الأمريكي الأسود أقل من نظيره الأبيض بـ6 سنوات. إلا أن أسوأ المعضلات يتمثل في قطاع العدالة ونظام المحاكم؛ إذ يتعرض السود أكثر من غيرهم لرقابة الشرطة في الأماكن العامة، كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض في الجرائم المشابهة.

 وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على تهميش السود وصعوبة حصولهم كل الحقوق والمزايا التي ينعم بها نظراؤهم البيض.

تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض في الأغلب الأعم، وشباب أسود وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة، سواء كانت الحادثة مقرها مدينة "فيرجسون" بولاية "ميسورى" بوسط أمريكا، أو بضاحية "ستاتين أيلاند" خارج مدينة نيويورك في الشمال الشرقي على سواحل الأطلنطي، أو في شرق مدينة لوس أنجلوس في قلب ولاية كاليفورنيا المطلة على المحيط الهادئ، فقط تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا.

 ويعود طول الطريق لغياب أبسط قواعد العدالة الاجتماعية، المتمثلة في كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب. وما نشهده روتينيا من حوادث عنصرية للشرطة البيضاء، وما يتبعها من أعمال عنف ما هو إلا ترجمة دقيقة لما قاله "مارتن لوثر كينج"، الزعيم التاريخي للسود الأمريكيين، من أن «أعمال الشغب هي لغة غير المسموعين». من هنا يصبح كفاح السود وغيرهم من غير المسموعين عملية مستمرة. 

وليقتدي سود أمريكا وكل المهمشين، بما قاله "مارتن لوثر كينج" من أنه "ليس هنالك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفي أو مؤقت، بل هنالك النضال الدائم لأجل إنسان، خلقه الله حرا وعليه أن يعيش حرا وكريما".