قضايا وآراء

المنازلة الرئاسية الإيرانية ثلاثية الأقطاب

1300x600

الخارطة الانتخابية

ثلاثية الأقطاب

تحديات روحاني

جولة الإعادة

تجري الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في إيران في 19 مايو/أيار2017، ويحق للرئيس الإيراني الحالي الترشح لها لولاية ثانية، ورغم أن عملية التسجيل بدأت يوم الثلاثاء 11 من أبريل، إلا أن المشهد الانتخابي بدأ يتضح رويدا رويدا، وسيكتمل نهائيا بعد إعلان مجلس صيانة الدستور عن أسماء المرشحين المقبولين حتى 26 أبريل.  

مقارنة بالدورات الرئاسية السابقة، دخلت إيران متأخرة في الأجواء الانتخابية هذه المرة، لكن بعد عطل رأس السنة الإيرانية الجديدة، أصبحت أجواء البلد انتخابية بإمتياز، حيث بات كل شيء له نكهة انتخابية.

تتجاوز دلالات الانتخابات في هذه الدورة مجرد استحقاق دستوري رئاسي، ويفترض أن تشهد تنافسا محموما، وتكون مثيرة، لأهميتها التوقيتية، حيث أنها تجري بينما الثورة الإسلامية الإيرانية فقدت جيلها المؤسس تقريبا، ماعدى قائدها الحالي الذي يبلغ من العمر 78 عاما.

ثم أنها ستكون أمام أهم تحد خارجي، هو المنحى الذي ستتخذه العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل وجود رئيس أمريكي مختلف عن أسلافه، لا يمكن التنبأ بأنه كيف سيترجم توجهه العدائي تجاه طهران، ولعل أظهرت ضربته الأخيرة لسوريا، المتعدية رسائلها الساحة السورية، أنه ذلك الرجل المخيف كما كان يروج لنفسه في حملته الانتخابية وبعدها. 

الخارطة الانتخابية

الخارطة الانتخابية حتى هذه اللحظة، تظهر أن المعسكر الإصلاحي حسم أمره بعد الإعلان عن دعمه للرئيس روحاني الذي لا ينتمي أساسا لهذا المعسكر، لكنه خيار الإصلاحيين المفضّل في ظل انعدام خيارات بديلة في هذه الظروف. كما أن روحاني سيحظى بدعم المعسكر الاعتدالي الذي قدم نفسه في الدورة السبقة ضمن هذا الخط. ثم غالبا ما ستدعمه شخصيات أصولية معتدلة، مثل رئيس البرلمان "علي لاريجاني".

كذلك طرح إصلاحيون فكرة "مرشح الظل" إلى جانب مرشحهم الرئيس، يسجل نفسه كبديل حال وقوع أي طاريء، ويساعد روحاني في دفع الهجمات الانتخابية للمرشحين الأصوليين، ثم يتم الانسحاب قبل أيام من الانتخابات لصالحه، رغم أن الفكرة لم تلق قبولا حين طرحها، لكن اليوم تميل لها قيادات إصلاحية رغم تحفظ روحاني. 

أما المعسكر الأصولي بعد أشهر من التيه، نتيجة انعدام منافس قوي لديهم في مواجهة روحاني، وفشلهم في التوافق على مرشح واحد بسبب مصالح متناقضة لمختلف تيارات المعسكر الأصولي، يكون أمام خيارين: الأول تبني "تعدد المرشحين" إلى جانب مرشحهم الرئيس الذي نجحوا في إيجاده مؤخرا، ليتمكن كل مرشح من استمالة أصوات شريحة من المجتمع، وتشتيت أصوات الخصم، والخيار الثاني، الدفع بالمرشح الرئيس وحده. 

في هذه الدورة، معظم التيارات الأصولية تدخل السباق الرئاسي تحت قيادة الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية "جمنا" التي تشكلت حديثا، وتسعى قيادة المعسكر ولم شمله لمواجهة التحديات.  

وفي اجتماع جمعيتها الوطنية في 25 فبراير 2017، والذي شارك فيها حوالي 3 آلاف شخصية أصولية، سمّت الجبهة 14 أشخاص كمرشحيها المحتملين، لكنها قللت هذا العدد إلى الخمسة لاحقا، أبرزهم رجل الدين المعروف "إبراهيم رئيسي"، فحال رجّح الأصوليون خيار "المرشح الواحد"، على الأغلب سيكون رئيسي. أما إن استمال إلى خيار التعدد سيخوض السباق أكثر من مرشح إلى جانب رئيسي لتوظيف فرصة الدعاية الانتخابية لكل مرشح في مهاجمة روحاني، وتقليل فرص فوزه، هنا حسابات اللحظات الأخيرة، قد تدفع المرشحين إلى الانسحاب لصالح المرشح الرئيس، أو البقاء في الحبلة لدفع الانتخابات نحو جولة الإعادة.

هنا ومن المفارقة أن "إبراهيم رئيسي" وفي بيان له قبل أعلن أنه سيرشح نفسه في هذه الانتخابات مستقلا بعيدا عن الانتماءات السياسية. يبدو أن دافعه في تقديم نفسه كمرشح مستقل يأتي كخطوة لكسب ثقة غير المحسوبين على التيارات السياسية في الشارع الإيراني، ولاطمئنانه على حصول أصوات الأصوليين وأنه مرشحهم الأول والأخير. 

هناك أيضا مرشحون أصوليون من خارج هذه الجبهة، مثل "مصطفى ميرسليم" مرشح حزب المؤتلفة الإسلامي الذي كان أول من سجّل للانتخابات بعد بفتح أبواب التسجيل يوم الثلاثاء 11 أبريل.  
 
كما أن معسكر الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، المنحدر أساسا من التيار الأصولي، قبل أن تبدأ عملية التسجيل كان له مرشح مستقل، هو نائبه السابق "حميد رضا بقايي"، لكن بعد بدء عملية التسجيل وفي خطوة مفاجئة ترشح أحمدي نجاد نفسه للانتخابات، إضافة إلى حميد رضا بقائي، وقد يلحق بهم مرشحون آخرون من المعسكر نفسه.

منذ فترة قصيرة كان يتردد في كواليس سياسية أن أحمدي نجاد قد يرشح آخرين من مقربيه، خوفا من احتمال رفض ترشح بقائي من قبل مجلس صيانة الدستور لوجود ملف قضائي له سجن بسببها سبعة أشهر عام 2015، لكنه اليوم رشح نفسه خلافا لوعوده السابقة. 

وكان قد تلقى أحمدي نجاد نصيحة من آية الله الخامنئي بالابتعاد عن السباق الرئاسي في هذه الدورة، للحيلولة دون إحداث استقطابات وانقسامات ستكون ضارة في البلد، بعد ذلك، تنحى أحمدي نجاد جانبا، وترك الحبلة، وإضافة إلى ذلك، أكد أنه لا يريد دعم أي من المرشحين، رغم ذلك عاد للمشهد الانتخابي مرة أخرى وبشكل مفاجيء جدا عبر تقديم مرشح له هو"حميد رضا بقايي" أولا، وثم في خطوة أكثر مفاجئة أعلن عن ترشح نفسه في اليوم الثاني من التسجيل. 
 
ثلاثية الأقطاب

مما سبق يتضح أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستكون ثلاثية الأقطاب بامتياز حال صادق مجلس صيانة الدستور على أهلية مرشحي المعسكرات الثلاث، أي المعسكر الأصولي، والمعسكر الإصلاحي، والمعسكر النجادي، حينئذ ستكون المنافسة بين "روحاني"، "رئيسي"، و"أحمدي نجاد" إن ظل الأخير في الساحة التنافسية حتى آخر اللحظة.

بين هؤلاء المرشحين، أحمدي نجاد والمرشحين المقربين منه، سيواجهون تحدي مجلس صيانة الدستور الذي سيكون أمام خيارات صعبة، وليس واضحا أنه هل سيرفض ترشيح أحمدي نجاد لمخالفته تعليمات القائد، وأنه حال رفضه، هل سيوافق المجلس على ترشح أحد مقربيه، أم سيرفض مرشحي هذا المعسكر جميعا، وهذا ليس مستبعدا مادام اختار نجاد خيار التحدي بهذا الشكل. 

كما أنه يجب أن لا ننسى أنه بقدر ما شكل ترشح أحمدي نجاد مفاجئة، قد يفجر مفاجئة أخرى من خلال انسحابه من المشهد الانتخابي قبل إعلان أسماء المقبولين من مجلس صيانة الدستور بلحظات، حال شعر أنه بات مرفوضا. ليس واضحا حتى هذه اللحظة، هدف أحمدي نجاد من ترشيح نفسه، ربما يحاول أن يكرر ما حدث في انتخابات الرئاسة 2013، عندما ترشح الشيخ الراحل هاشمي رفسنجاني، وبعد رفض ترشحه، وقف بقوة إلى جانب مرشح الظل أي الرئيس روحاني. وما يعزز هذا السيناريو، قول أحمدي نجاد نفسه بعد ترشحه، حيث قال أنه على وعده السابق بعدم الخوض في السباق، وهدفه من الترشح هو دعم المرشح بقائي. 

في هذه الحالة، يمكن القول أنه يهدف إلى تحقيق أمرين من خلال ترشيح نفسه، الأول، الضغط على الجهات المعنية للقبول بترشح بقائي، والثاني، توظيف الأجواء الانتخابية لصالح مرشحه من خلال هذه الإثارة المفاجئة. 

أما حال صادق مجلس صيانة الدستور على ترشح أحمدي نجاد، إذا ما قرر الخوض في السباق بنفسه أو ترشح بقائي، ستكون المنافسة محمومة جدا، لكنها في نهاية المطاف ستنحصر بين روحاني ورئيسي، واذا ما قمنا بعملية استشرافية، يتوقع أن يستقطب معسكر أحمدي نجاد الأصوات التي لايزال يحظى بها هو في الأرياف والمناطق النائية، لكنه يستبعد أن يتمكن من كسب أصوات معتبرة من الأصوليين. 

ويستبعد أن يكسب المعسكر النجادي أيا كان مرشحه، ثقة الشارع ليصبح الرئيس الإيراني الثامن منه، لكن الخطورة التي يشكلها، أن خطاب أحمدي نجاد المتحدي المثير يلقى قبولا لدى شرائح كثيرة في الأرياف الإيرانية، والمدن الصغيرة، وسينجح في كسب أصواتهم على حساب روحاني. 

وفي ما يتعلق بالمرشح الرئيس للأصوليين "إبراهيم رئيسي"، لا شك أنه سينجح في كسب أصوات مؤيدي الأصوليين، لكن تلك الأصوات وحدها لاتوصله إلى كرسي الرئاسة، ونجاحه في كسب الأصوات اللازمة في الشارع الإيراني يتوقف على مدى نجاحه في إقناع الناخبين بخطابه الأصولي الثوري، وبرنامج معسكره الانتخابي المعنون بـ"إعادة إحياء الثورة"، وذلك في مواجهة خطاب الدولة لروحاني ومعسكره، وما يترتب على الخطابين من ارتدادات مستقبلية في الداخل والخارج. 

تحديات روحاني 

اليوم طريق الرئيس روحاني نحو الولاية الثانية ليست معبدة كما يحلو له، تتخللها تحديات كبيرة، أهمها التحدي الاقتصادي. فرغم اعلان الحكومة إحصائيات اقتصادية، تظهر تحسن المؤشرات الاقتصادية، مثل تخفيض التضخم إلى أقل من 10 بالمئة، وتحقيق تقدم اقتصادي بنسبة 8 بالمئة ونجاحها في إخراج البلد من حالة الركود التضخمي، إلا أن الواقع المعيشي للمواطن الإيراني لم يشهد تحسنا ملحوظا في ظل بطالة مستشرية وصلت إلى 12 بالمئة حسب الإحصائيات الرسمية. ثم أن الاقتصاد الإيراني رغم تعافيه جزئيا وتحقيق استقرار نسبي بعد رفع العقوبات عن قطاع النفط، إلا أنه لايزال يعاني من حالة ركود شديد.

وهذا ما استدعى التنويه من قائد الثورة الإسلامية "آية الله الخامنئي" في خطابه في مدينة مشهد خلال مناسبة النوروز في 22 آذار الماضي إلى أن الإحصائيات الرسمية لا تشير إلى أن الأوضاع تتجه نحو حلحلة المشاكل الاقتصادية.

اليوم يسعى خصوم الرئيس روحاني توظيف الوضع الاقتصادي المتردي في المنازلة الرئاسية، فربما ينجحوا في كسب أصوات شرائح من المجتمع الإيراني في الأرياف والمحافظات الفقيرة عبر استمالة العقول الاقتصادية للمواطنين عبر وعود، مثل زيادة الدعم الحكومي الشهري المقدّر بحوالي 12 دولارا لكل فرد، إلى أكثر من 65 دولارا كما وعد بذلك مرشح نجاد. 

ويتفرع عن التحدي الاقتصادي، تحدي آخر هو انخفاض نسبة المشاركة لسببين، الأول كما قلنا أنه يعود للعامل الاقتصادي، والثاني أن أجزاء من القاعدة الإصلاحية التي صوتت في الدورة السابقة للرئيس روحاني، ليست راضية عن أدائه في السياسة الداخلية لعدم تحقيق وعود قطعها على نفسه في الدورة السابقة، على رأسها رفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين الإصلاحيين.  

وفي هذا السياق، يمكن القول أنه حسب التجارب السابقة كلما تنخفض نسبة المشاركة كلما تقل فرص الإصلاحيين في الفوز، وفي المقابل كلما ترتفع نسبة المشاركة كلما يرتفع نصيب الإصلاحيين. 
لذلك، إن نجح الرئيس روحاني في الحفاظ على الأصوات التي ذهبت له في الدورة السابقة، والتي اقتربت من 19 مليون، يكون قد تجاوز هذه العقبة والتحدي. 

كما أنه في ظل هذا الوضع، يصعب على روحاني استقطاب الأصوات الصامتة أو الرمادية، وذلك يتوقف على مدى نجاحه وأنصاره في إقناع أصحاب هذه الأصوات في المشاركة بالانتخابات والتصويت لصالحه، وفي ظل وجود مخاوف مكنونة من أن بديل روحاني سيعود بالبلد إلى سياسة المواجهة المفتوحة مع الغرب، على إثرها تعود سياسة فرض العقوبات من جديد وبشكل أقوى، على الأغلب سيلعب الإصلاحيون على هذا الوتر، وان نجحوا في تذكية هذه المخاوف، قد ينجح روحاني في استقطاب تلك الأصوات الرمادية، ولاسيما في المدن الكبرى التي تعرف هذه المعادلة أكثر من غيرها.

جولة الإعادة

كما أشرنا إليه يواجه الرئيس روحاني في طريقه نحو الولاية الثانية جملة تحديات كبيرة، قد تصعب عليه الفوز في الجولة الأولى. وعلى الأرجح ستتجه الانتخابات إلى جولة الإعادة حال تحقق أمران: الأول، صادق مجلس صيانة الدستور على ترشح أحمد نجاد، لأنه يشكل التحدي الأبرز للرئيس روحاني، وهذا عكس ما يتوقعه كثيرون، لأن الأصوات التي ستذهب لأحمدي نجاد على الأغلب ستكون من سلة الرئيس الحالي، وهذا تحدي لا يشكله المرشح الأصولي كثيرا، لأن غالبية الأصوات التي سيكسبها هو ستكون من القاعدة الجماهيرة للتيار الأصولي، وليس بالضروة أن تكون من أصوات روحاني. 

والثاني عدم نجاح الرئيس روحاني والمعسكر الداعم له في الحفاظ على 19 مليون صوت نالها في الدورة السابقة، وهذا ما يريده الأصوليون، حيث يستهدفون تقليل فرص فوز روحاني في الجولة الأولى وهزيمته في جولة الإعادة. 

في هذه الحالة، ستنحصر المنافسة في جولة الإعادة بين روحاني ورئيسي، والتحدي الكبير الذي سيواجهه روحاني في هذه الجولة، هو احتمال التوافق بين المعسكر الأصولي ومعسكر أحمدي نجاد، بحيث يدعم الأخير مرشح الأصوليين في جولة الإعادة في مواجهة روحاني لإلحاق الهزيمة به. 

إلى الآن المؤشرات تؤكد فرضية فوز روحاني، لكن لا ينبغي أن نغفل كافة الاحتمالات على ضوء سيولة الأحداث والمتغيرات وتسارعها، والمفاجئات التي تشكل سمة بارزة في الانتخابات الإيرانية. 

كما أن الإصوليين، ومعهم مؤسسات سيادية قد دفعوا برجل الدين "إبراهيم رئيسي" لينتصر، وحال هزيمته في هذه الانتخابات، سيخرج تلقائيا من قائمة المرشحين المحتملين لقيادة إيران مستقبلا في ظل ما تتحدث عنه وسائل إعلام أنه ضمن هؤلاء المرشحين لخلافة القائد. وفي هذا الصدد، قال الناطق بإسم مجلس خبراء القيادة رجل الدين "سيد أحمد خاتمي" قبل شهر أن المجلس شكل لجنة سرية تبحث في أسماء الذين يستحقون تولي منصب "الولي الفقيه" في البلد مستقبلا. 

وفي هذا السياق، هناك احتمالية أن يقرر رئيسي الانسحاب من المشهد الانتخابي في اللحظات الأخيرة قبل التصويت، حال شعر أن الأجواء الانتخابية ليست لصالحه. 

خلاصة القول أن إيران وثورتها على أعتاب الأربعين، على موعد مع إحدى أهم انتخاباتها الرئاسية في ظل المتغيرات الداخلية، والإقليمية والدولية الصعبة، وأنها غالبا ما ستكون انتخابات مثيرة وتنافسية جدا.
وسيكون هناك تقييم جديد بعد إعلان أسماء المقبولين من مجلس صيانة الدستور.