سياسة دولية

دبابات الاحتلال تخرق الاتفاقيات مع مصر بمعبر رفح.. وخبراء يتوقعون رد القاهرة

آليات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت معبر رفح من الجهة الفلسطينية- جيتي
آليات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت معبر رفح من الجهة الفلسطينية- جيتي
أظهرت مقاطع مصورة، بثّها الاحتلال الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، سيطرة قوّات تابعة له على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر، في المنطقة المعروفة باسم محور "صلاح الدين"، ما اعتبره مراقبون خرقا صريحا للاتفاقيات الموقعة بين القاهرة وتل أبيب بشأن محور "فيلادلفيا"، واتفاقية المعابر، بل ومعاهدة "كامب ديفيد" الموقّعة قبل 46 عاما.

بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أكّد أن قوّات "اللواء 401" حقّقت السيطرة العملياتية على معبر رفح من جهة غزة، وأنّها قطعت معبر رفح عن محور صلاح الدين، الذي يعد شريطا أرضيا ضيقا لا يتعدى عرضه مئات الأمتار، وبطول 14.5 كيلومترا.

المحور، يقع على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويمتد من البحر المتوسط وصولا إلى معبر كرم أبو سالم التجاري، ويقع بالكامل في المنطقة منزوعة السلاح (ج) التي نصت عليها معاهدة السلام بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1978، ويخضع لشروط ومعايير العبور من الأراضي الفلسطينية إلى مصر.

وتنص معاهدة كامب ديفيد على أن تنشر مصر عددا من قواتها في المنطقة لتأمينها وفقا لبروتوكول تم توقيعه مع الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ عام 2005 غادرت القوات المحتلة والمستوطنون قطاع غزة، فيما نقلت مهمة الإشراف عليهما إلى السلطة الفلسطينية، مع مراقبين من الاتحاد الأوروبي، وآل حكم القطاع لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والسيطرة على معبر رفح، عام 2007 بعد فوزها في انتخابات تشريعية.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع مصورة لدبابة إسرائيلية تتجول داخل معبر رفح، وترفع علم الاحتلال، وتدوس كل ما يقابلها.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ثار جدل واسع حول اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لذلك الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة منذ اندلاع حرب الإبادة الدموية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على نحو 2.3 مليون فلسطيني في القطاع.

ورغم التحذيرات الدولية وبينها المصرية، أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على إخلاء الأحياء الشرقية لرفح، منذ الاثنين الماضي، استعدادا لبدء العمليات البرية في المنطقة، ما يهدّد حياة نحو 1.5 مليون فلسطيني.

اظهار أخبار متعلقة


ونقلت وكالة الأناضول، عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن "المعبر توقف بشكل كامل ولا يوجد حركة سفر وإدخال للمساعدات الإنسانية"، فيما منعت دولة الاحتلال الإسرائيلي الأمم المتحدة من الوصول إلى معبر رفح في قطاع غزة، وبالتالي عبور الأفراد أو البضائع، حسبما صرح ينس لايركه، وهو الناطق باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الثلاثاء.

"رد فعل باهت"
وذكرت الأنباء أن الجانب المصري، وضع كتلا أسمنتية على الجانب المصري من معبر رفح، فيما جاء أول رد فعل مصري مدينا لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري جنوب قطاع غزة، واعتبره تهديدا لحياة أكثر من مليون فلسطيني.

بيان الخارجية المصرية، قال: "أدانت مصر بأشد العبارات، العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح".

ودون أن يشير البيان لعمليات الخرق الإسرائيلية للمعاهدات المصرية الإسرائيلية، دعت "الجانب الإسرائيلي إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى".

فيما لم يصدر عن الجيش المصري، أي بيانات بشأن خرق الاحتلال الإسرائيلي، حتى كتابة هذه السطور.

ولأول مرة، منذ العام 2005 تدخل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تلك المنطقة منذ مغادرتها قطاع غزة، والأمر يثير التساؤل حول رد الفعل المصري المحتمل حكومة وجيشا وشعبا إزاء خرق الاحتلال الإسرائيلي لمعاهدة "كامب ديفيد" عام 1978.

"هذا ما يكبل مصر"
المؤرخ والأكاديمي المصري، عاصم الدسوقي، حمل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية المسؤولية عن هذا الخرق، وقال لـ"عربي21"، إن "كامب ديفيد تمنع مصر من معارضة سياسات إسرائيل تجاه أي دولة عربية، بل وتمنع مصر من وضع أسلحة ثقيلة وكاميرات على الحدود مع إسرائيل، وكذلك نصت اتفاقيات التطبيع".

"تجري بتنسيق"
لكن السياسي المصري، ثروت نافع، أوضح أن "محور صلاح الدين، كان لاحقا على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وأنه يتم التنسيق بين القوات الإسرائيلية التي كانت متواجدة منذ اتفاقية السلام حتى انسحابها وتسليم غزة للفلسطينيين، وكان هناك تنسيق على هذا المحور بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي".

عضو لجنة الدفاع والأمن القومي والعلاقات الدولية بالبرلمان المصري سابقا، بيّن في حديثه لـ"عربي21"، أنه "لذلك فهو ليس خرقا لاتفاقية السلام، إلا إذا تم عدم التنسيق مع القوات المصرية".

وأضاف: "وربّما يكون هناك تنسيق غير معلن؛ لأني لا أعتقد أن تقوم إسرائيل بأية خطوة في هذا المحور دون أن تُعلم الجانب المصري، وهي حريصة جدا على الحفاظ على هذه المعاهدة، كما أنني أرى وأسمع في إعلامهم والإعلام الغربي أنه يتم التنسيق على الأقل في عملية التواجد في محور صلاح الدين".

اظهار أخبار متعلقة


وأكّد أن "هذا ليس معناه أن النظام المصري متواطئ في هذه العملية، ولكن التنسيق بين القوات الأمنية مطلوب في حالة تحرك أي قوات أمنية على الطرفين والتنسيق هنا بمعنى الإخبار والإعلام".

أما عن رد الفعل المصري، فيرى سويلم، أنه "لا بد أن يكون هناك رد فعل دبلوماسي يبدأ به الجانب المصري أولا، ثم يكون هناك تصعيد لرد الفعل المصري إذا حدث تصعيد من الجانب الإسرائيلي، ولا نتمنى أن يحدث هذا التصعيد لأن الجانب المصري ما زال يقوم بدور الوساطة، ما يعني أن هناك تنسيقا بين الجانب المصري والإسرائيلي والأمريكي أيضا".

"حماية المشروع الصهيوني"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري، عمرو عادل، إنه "من المهم للغاية بناء تصور ناتج من تراكم وترابط الأحداث السابقة منذ اتفاقية (كامب ديفيد) اللعينة، وحتى تبنّي النظام المصري لما يسمى (صفقة القرن)، وأخيرا مأساة (اتحاد القبائل) وتعامل النظام المصري مع حرب غزة الدائرة".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الخط على امتداده يجعل التساؤل عن تصرف النظام المصري حيال دبابات الصهاينة على حدود مصر يحتاج للمراجعة".

ويرى أنه "من الواضح أن هناك تنسيقا أمنيا وربما عملياتيا واسع النطاق بين النظامين المصري والصهيوني، حول كيفية إدارة عملية اجتياح رفح، وكيفية التعامل مع ملف اللاجئين من الناحية الأمنية وليس الإنسانية".

ويعتقد ضابط الجيش المصري السابق، أن "الأمر لم يعد يتعلق بأمن مصر وحدودها منذ مأساة (تيران وصنافير)، وتهجير سكان رفح المصرية، لقد أصبح فقط يتعلق بكيفية حماية المشروع الصهيوني، والقضاء على فكرة المقاومة في الإقليم، والنظام المصري يعمل فقط في هذا المسار".

وأكد أن "الاتفاقيات تعبر عن فارق القوة بين الأطراف المتصارعة، وتُستخدم لخداع الجماهير في حالات الخيانة من أحد الطرفين، كما هو الحال منذ (كامب ديفيد)".

ولفت إلى أنه "في الحالتين تنقض الاتفاقات طبقا لتوازنات القوة الحالية أو لقدرة الأنظمة الخائنة في الإعلان الصريح عن خيانتها، كما هو الحال في الأنظمة العربية".

وعن الشعب المصري ختم عادل، حديثه بالقول إنه "في مفترق طرق أخير، ربما، فإما أن يدرك أن ما يحدث نذير شؤم أكثر بكثير مما يعاني منه الآن ويتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو يستسلم لسيطرة الصهاينة ليس على رفح فقط ولكن على كل مصر".

من جانبه، يعتقد الناشط السيناوي، أشرف أيوب، أن "رد فعل النظام المصري، سيكون سلبيا"، مرجعا في حديثه لـ"عربي21"، ذلك في تقديره إلى 3 أسباب.

أوضح أن أولها، "استكمال الدور الوظيفي المنوط به (النظام) وهو الحفاظ على أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب قيود كامب ديفيد حتى لو انتهكها الكيان الغاصب لفلسطين".

ولفت ثانيا إلى ما اعتبره "الحرص على إنجاح صفقة تبادل الأسرى الأخيرة النسخة المصرية، هو ما غازلته به حماس، حسب تصريح نائب رئيس المكتب التنفيذي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، بأن نجاح الصفقة يعود إلى الدور القوي الذي لعبه السيسي".

ثالث الأسباب بحسب، أيوب، هو "موقف النظام المصري من المقاومة، وتأييد نزع سلاحها، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على نهج اتفاقية كامب ديفيد التي جعلت سيناء منزوعة السلاح".

"بلا سقف"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، رضا فهمي إن "خرق إسرائيل لاتفاقية كامب ديفيد جرى عشرات المرات، وهذا الخرق كان يتم ليس فقط في عهد السيسي، بل جرى في عهد حسني مبارك، لكن مع الفارق ففي عهد مبارك كان يتم الخرق بحسابات معقدة بعض الشيء، لكن في عهد السيسي تتم هذه الاختراقات بدون سقف".

رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "اتفاقية كامب ديفيد كتبها وصاغها الطرف القوي، وبالتالي تعطي لإسرائيل ما لم تعطه لمصر، ولكن وبغض النظر حتى ما تعطيه هذه الاتفاقية لمصر فإن النظام الحاكم غير قادر على أن يُحكم هذه الاتفاقية في مثل هذه الأمور".

وتساءل: "هل مصر لديها القدرة على وقف الحرب ونزيف الدم الذي يحدث في أرض فلسطين؟، الإجابة: نعم، وبكل وضوح، ولكن؛ هل مصر تمتلك هذه الإرادة؟، الإجابة: لا، لأن السيسي في الحقيقة جزء من المشروع الآخر، جزء من المشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة، وليس جزءا من مشروع الأمن القومي العربي في أحسن توصيف".

اظهار أخبار متعلقة


فهمي، أوضح أنه "بالتالي فالخط البياني من طوفان الأقصى والموقف المصري منحاز للجانب الإسرائيلي على حساب الحق الفلسطيني، وبالتالي فما رد الفعل على وجود الدبابات الإسرائيلية على التماس مباشرة مع الحدود المصرية، وتحت أي بند في القانون الدولي، وتحت أي بند في اتفاقية كامب ديفيد؟"، مجيبا: "لا توجد بنود".

"حسبة مبارك"
وأكد أن "ردود الأفعال في مصر هي (جعجعة) من وزارة الخارجية، وكلام أجوف لا ينبني عليه"، مشيرا إلى أن "مبارك في مثل هذه المواقف الفاصلة من أجل كرسيه كان يفعل شيئا هو ليس لأجل الفلسطينيين ولكن رأيناه يتخذ قرارات جريئة".

ولفت إلى أنه "سحب السفير المصري من دولة الاحتلال الإسرائيلي، عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وظل السفير المصري حتى عام 1986 لمدة 4 سنوات كاملة بالقاهرة على خلفية هذا الاجتياح".

السياسي المصري، تساءل مجددا: "هل كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان حينها يمثل تهديدا مباشرا على مصر، مقارنة بالاجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟، وأيهما أولى وأحق؟".

وأضاف: "نفس الكلام حدث ثانية من مبارك الذي تصفه دولة الاحتلال الإسرائيلي بالكنز الاستراتيجي، وكان لديه خطوط حمراء، وفي عام 2000 وبناء على اقتحام أريل شارون للمسجد الأقصى وما حدث بعدها من تداعيات سحب السفير المصري الذي ظل في مصر حتى 2005 لمدة 5 سنوات كاملة".

وقال: "هذا مبارك الذي كان الكل يتحدث عن علاقاته بدولة الاحتلال الإسرائيلي غير المسبوقة، يأتي في لحظات ويجد نفسه وكرسيه مهددين فيتخذ رد فعل، وكان مقتل أنور السادات عام 1981، ماثلا أمام عينيه، ويعرف كغيره من الساسة المصريين أن كامب ديفيد هي من قتلت السادات، لذا كان لدى مبارك حسبة".

"خطوط السيسي"
في مقارنته: "أما السيسي فمنذ أن جاء على ظهر الدبابة منتصف 2013، ليس لديه هذه الخطوط الحمراء التي كانت لدى مبارك، ومن قبله السادات وجمال عبد الناصر".

وأضاف فهمي، "بالتالي رد الفعل المنتظر لا أعول عليه من السيسي، إلا إذا كان بترتيبات مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي، فهو في الحقيقة ليس لديه أدنى إرادة ولا مقومات ولا كاريزما ولا حضور في الإقليم بما يؤهله للعب دور في الأحداث".

وتوقع أن "نسمع بعض التصريحات الفارغة، إلى أن يأتيه الضوء الأخضر من البيت الأبيض أو من تل أبيب بالخطوة القادمة، فلا قرار سياسي ولا إرادة سياسية تسمح بإجراء قوي من السيسي، تجاه هذا الخرق لكامب ديفيد تجاه اجتياح دولة الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح".

اظهار أخبار متعلقة


وخلص للقول: "حتى الدولة العميقة في عهد السيسي غير موجودة، لا المؤسسة العسكرية حاضرة ولا الأجهزة الأمنية بمعنى قدرتها على التأثير في المشهد؛ ‌الأمر كله معلق في يد الشعب المصري، الذي يصبر، ويتحمّل، وتأتي لحظات انفجاره، وهي مسألة وقت".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تساءل الكثير من المتابعين والمراقبين والساسة والنشطاء والأكاديميين: "أين الأمن القومي المصري؟، وأين الخطوط الحمراء التي تحدث عنها السيسي؟".
التعليقات (0)