قضايا وآراء

الحركة الإسلامية وآفاق التجديد.. العمل الجماعي (1)

1300x600
شاركت، مستمعا، في ندوة عقدت في ميلانو بإيطاليا، حضرتها ثلة من قيادات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، حيث قدم المشاركون أوراقا قيّمة في مسألة التجديد في فكر الحركة الإسلامية.

سأعرض على حضراتكم بعض ما تم نقاشه أو التوصل إليه. أفضل ما في الندوة أنها كانت شرعية بحتة؛ تضع الرأي والرأي الآخر في مسائل التأصيل الشرعي لكثير من أفكار الحركات الإسلامية، ومن ثم كان النقاش بين علماء وفقهاء. وعدم وجود إجماع في أمر ما يعني أن هناك سعة لأكثر من رأي. وأؤكد أنني ناقل فقط لخلاصات هذه الندوة، وليس لي فيها رأي.

1- الاتفاق على أن "الجماعة" (أي التجمع أو العمل الجماعي) ضرورة إنسانية، وحقيقة غنية عن الاستدلال في واقع الناس، حيث لا يمكن للإنسان أن يعيش وحده. كما أن "الجماعة" في الإسلام رابطة بين المؤمنين، واختلالها فساد في الدنيا وانحراف عن مقاصد الدين القويم، ذلك أن ضدها الاختلاف والفرقة والتنازع.

2- "العمل الصالح" هو منطلق المسلم في صفة ما يقوم به مدى حياته، وميزان الصلاح أن يكون جلباً للمصلحة الراجحة، أو درئاً للمفسدة الواضحة.

3- "العمل الجماعي" ضرورة وفريضة، فلا بد منه طبعاً وشرعاً، تحقيقا لمصلحة المسلمين خاصة، وإضافة لصالح المجتمعات التي يعيشون فيها عامة. ويرقى مفهوم العمل الجماعي إلى حكم الوجوب في بعض الحالات، حينما تتعين المصلحة فيه.

4- "العمل المنظّم" هو أحد وسائل "العمل الجماعي"، ويكون من خلال التجّمع على غاية مشروعة ومحددة، بناء على مقاصد الشريعة الجلية؛ وذلك لما يحقق من مصالح معتبرة ويدرأ من مفاسد مُحتملة.

5- يجب أن يُستصحب "تنظيم العمل" في سياق التأسي بمنهج الجماعة الأولى التي حملت القرآن واهتدت بالسنن، فلا يجيز هذا (التنظيم) تزكيةً لما هو فيه، ولا تمييزاً بمزيد صلاح ودين يرتفع بها على من هو خارجه، فضلا ًعن أن يجيز البراءة ممن ليس فيه، ولا ينبغي أن يتحزب أعضاؤه له دون سائر المؤمنين، فإن الحزبية طريق التفرق لا الاجتماع.

6- "نصوص الشريعة" في الأمور التعبدية قد وضعت للوسيلة صورتها، وحددت طبيعتها، ورسمت معالمها. أما غير التعبدي، فقد وضعت له القواعد والمبادئ وضربت الأمثال، ليبقي الأمر في كل عمل جماعي منظم يسعى لموافقة مراد الشارع؛ أن يكون وسيلةً معتبرةً لتحقيق المصلحة المرجوة به، قاعدته الكلية "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، و"الأصل في الأشياء الإباحة"، وضابطه ألا يعارض قطعيات الشريعة.

7- رغم أهمية "العمل الجماعي التنظيمي"، إلا أن ذلك لا يوجب على كل مسلم الانضمام لجماعة أو تنظيم بعينه. ولا يعني قصر "العمل الجماعي" على المسلمين، بل يمتد إلى العمل مع غير المسلمين، سعياً لترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، وتحقيق المصلحة العامة، وذلك من باب قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى". أما إذا كانت هناك مصلحة محققة للمسلمين في انضمام شخص "بعينه" إلى حزب أو جماعة بعينها، وجب في حقه ذلك.

8- "التنظيم" لعمل جماعي هو وسيلة لغاية تحقق مقاصد الشريعة في مصالح الدين والدنيا، ولا يصح أن يكون غاية في ذاته.

9- أحكام "البيعة الشرعية" لا تنطبق على العلاقات التنظيمية، إنما هي التزام بتوجيهات الشريعة في سياق الوفاء بالعهود والمواثيق.

10- "العمل الجماعي" يستلزم "فقهاً منهجياً" توفرت مبادئه الشرعية والأخلاقية في أصول الدين، ولكن التجربة الإسلامية التراثية لم تستوعب ما يلزم من الشرح والتأصيل والتنزيل في إجراءات عملية.

11- من واجب المنتظمين في العمل الإسلامي أن يوجهوا عنايتهم إلى "فقه العمل الجماعي"، من خلال تأصيله والتربية عليه عملياً، مع الاستفادة من "الفقه الغربي" المتقدم في هذا الشأن، والتكييف بحسب مقتضيات الواقع.

12- من "القواعد الفقهية المنهجية" للعمل الجماعي التي ينبغي الانتباه إليها ومعالجتها بالتأصيل والتدريب، ما يلي:

-  نكران الذات.

- حـرية الرأي.

- أدب الاختلاف.

- المؤسسية.

- المـوالاة.

- الشــورى.

ومن مقتضيات "المعالجة التأصيلية"، تنقية هذه القواعد ومصطلحاتها مما علق بها من مفاهيم؛ لم تعد صالحة للواقع الذي يعيش فيه المسلمون في أماكن مختلفة.