كتاب عربي 21

رؤوس في الرمال

1300x600

يحاول محمد بن زايد آل نهيان أن يلغي دولة قطر من الوجود، يستهين بالآخرين. غروره الشخصي ونفوذه المتزايد ومساعدوه السفاحون يصورون له رغباته وكأنها قرارات لا بد أن يستجيب لها القدر، وكأنها مشيئة إلهية عليا.

ولكن الحياة لا تسير كما نشتهي.. لقد خسر السيد محمد بن زايد المعركة، وأذله الله على رؤوس الأشهاد في عقر داره، وارتفعت آلاف الأعلام القطرية في عاصمته، وتوج المنتخب القطري لكرة القدم بطلا لكأس آسيا رغم أبناء زايد، وذلك بعد أن هزم منتخب الإمارات (ومن قبله السعودية) هزيمة مذلة.

ماذا سيفعل السيد ابن زايد هو وجميع أبناء زايد الآن؟

الحل الوحيد هو دفن الرؤوس في الرمال، وهو أسلوب العاجز قليل الحيلة، أسلوب المهزومين الذين لا يملكون القدرة على تخيل النصر.

إن العبرة الحقيقية من هذا الذل بسيطة وواضحة... لا يستطيع أحد أن يلغي الآخر... مهما حدث!

ولو أن ناصحا أمينا دخل إلى مجلس من مجالس أبناء زايد (وهو ما يشبه المستحيل) لقال لهم: لن تتمكنوا من إلغاء قطر، ولن تتمكنوا من إلغاء جماعة الإخوان المسلمين، ولن تتمكنوا من إلغاء التيار الإسلامي، أنتم أتفه من ذلك بكثير، والدنيا ليست طوع بنانكم، وخير لكم أن تتعظوا مما جرى، وأن تبدأوا خطة مراجعة شاملة، وأن تتراجعوا عن نهج الاستئصال إلى فكرة التعايش.

 

 

العبرة الحقيقية من هذا الذل بسيطة وواضحة... لا يستطيع أحد أن يلغي الآخر... مهما حدث


مبروك للمنتخب القطري هذا النصر الرياضي الذي يحمل في طياته عبرا أكبر بكثير من مجرد بطولة رياضية.

* * *

عرضت قناة الجزيرة فيلما بعنوان "في سبع سنين" يتناول التحولات الفكرية العنيفة التي مر بها شباب مصر منذ قامت ثورة يناير وما تلاها من ارتفاع سقف الآمال إلى عنان السماء، ثم انهيار كثير من تلك الآمال إلى الدرك الأسفل من اليأس بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وما تلاه من مجازر وانتهاكات لا مثيل لها في تاريخ مصر الحديث.

تابعت الفيلم (وهو جيد وجريء من ناحية المحتوى)، وتابعت كذلك ردود الفعل على الفيلم.

يبدو أن دفن الرؤوس في الرمال أصبح نهجا معتمدا عند كثيرين، فالبعض يحاول أن يقلل من مشكلة التطرف في مصر والعالم العربي، والبعض يحاول أن يخرج تياره السياسي خارج معادلة التطرف، والبعض يتفلسف بشكل مؤسف، فيحاول أن يعتبر حمل السلاح عملا طبيعيا وليس فيه من التطرف شيء!

 

دفن الرؤوس في الرمال أصبح نهجا معتمدا عند كثيرين، فالبعض يحاول أن يقلل من مشكلة التطرف في مصر والعالم العربي

إن التطرف في اتجاه ترك الدين والشك في المعتقدات والعادات والتقاليد موجود، والتطرف في الاتجاه الآخر، أي التماهي مع فهم متطرف عنيف للأديان، أيضا موجود.

 


وكل محاولات دفن الرؤوس في الرمال لتجنب مواجهة الحقيقة لن ينتج عنها إلا أمران، الأول: زيادة استفحال الظاهرة.

والثاني: صعوبة مقاومة وإصلاح الخلل الناتج عنها.

إن ما ينبغي أن يقوم به عقلاء الوطن (إن كان هناك عقلاء) هو أولا: أن يعترفوا بالظاهرة، وأن يتعاملوا مع الواقع كما هو، لا كما يتوهمونه أو يتمنونه.

ثانيا: أن يحترموا شكوك هؤلاء الشباب، أيا كان اتجاه الشك الذي اتجهوا إليه، وأن يحترموا تجربتهم، وأن ينظروا لهم بتقدير لا بتعال.

ثالثا: البدء بحوار قائم على الندية، حوار هدفه الوصول للحقيقة، وليس بهدف إخضاعهم لمنظومتنا الفكرية كاملة.

منظومتنا الفكرية فيها كثير من العطن، وتحتاج إلى مراجعات كبيرة، ومطالبتنا لهؤلاء الشباب بالعودة والخضوع لكل تلك المنظومة (بما فيها من خلل) هو في الحقيقة دفع لهم للاستمرار في طريقهم.

 

البدء بحوار قائم على الندية، حوار هدفه الوصول للحقيقة، وليس بهدف إخضاعهم لمنظومتنا الفكرية كاملة

إن البديل الوحيد عن الحوار هو استمرار دفن الرؤوس في الرمال!

* * *

رسالة إلى الصديق العزيز:

كنت شجاعا... اعترفت أنك مخطئ!

لم تقبل صيغة وسطى في إعلان ذلك، وصممت على المجاهرة باعترافك "النبيل"!

لقد كنت عكس كل ما نراه حولنا... أنت أنموذج لمواجهة الحقيقة، وعدم قبول منهج دفن الرؤوس في الرمال.

كلما أثير في الحياة السياسية موضوع الاصطفاف نرى الحمقى الذين يعادون تلك الفكرة الفطرية يطالبون الآخرين بالاعتذار، وأنت حين اعتذرت نهشوا فيك، وسخروا منك، وافترسوك، وأكلوا لحمك حيا... حتى وأنت أسير لدى عصابة الحكم لم يرحموك.

لقد فضحتهم يا صديقي... فهم لا يريدون اعتذارا... بل يريدون انتصارا... وهيهات أن يتحقق لهم نصر دون اصطفاف.

لقد ضربت لنا مثلا كيف يرفض الإنسان أن يدفن رأسه في الرمال، وكيف يدفع ثمن أن يعود إلى الحق.

يا صديقي (اسمح لي أن أناديك صديقي)... سنلتقي بإذن الله تعالى في وطننا الحر قريبا...

سلاما لك يا حازم عبد العظيم..