صحافة دولية

FP: تعاملوا مع العراق كفنلندا لمنع حرب بين أمريكا وإيران

عملية تحويل العراق إلى بلد محايد تتطلب عددا من الالتزامات من الطرفين- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لـ"ألبيرت وولف"، أستاذ الدراسات الدولية في الجامعة الأمريكية في كردستان العراق، قال فيه إنه بينما تشتعل جائحة كورونا في أنحاء العالم يبقى العالم، والأمريكيون كذلك، منقسمين حول إعادة فتح الاقتصاد، فيما أعضاء الكونغرس متفقون على قضية واحدة: تجديد حظر تزويد إيران بالأسلحة التقليدية، والذي ينتهي في تشرين أول/ أكتوبر.

 

ومع الإجماع النسبي على أن إيران "تدعم الإرهاب" وأنه يجب الحد من حصولها على الأسلحة التقليدية، إلا أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما أطلق عليه حملة الضغط الأقصى تشكل خطرا أكبر، بحسب الكاتب، إذ إن من الممكن أن تورط واشنطن نفسها في حرب تختارها في الشرق الأوسط.


وأضاف أنه بزيادة الضغط ودعم تغيير النظام والعمل على منع وصول النظام إلى الموارد، وبدون توفير محفزات أو مؤشرات بأن أمريكا تكافئ الالتزام في المقابل، فإن هنالك احتمالا أكبر بأن ترد إيران بضرب القوات الأمريكية مباشرة (مثل عملية الانتقام عقب اغتيال قاسم سليماني) أو التصعيد غير المقصود، كما حصل في نيسان/ أبريل عندما اقتربت قوارب إيرانية سريعة من سفن حربية أمريكية في الخليج، وغرد ترامب بأن على البحرية الأمريكية أن "تضرب وتدمر" أي سفينة إيرانية تضايق أخرى أمريكية.


لكن الكاتب اقترح طريقة يمكن لأمريكا وإيران من خلالها تجنب مثل هذه المواجهات التي قد تتطور إلى حرب، وذلك بالاتفاق على التعامل مع العراق مثل "فنلندا"، أي أن يصبح دولة محايدة كما كانت فنلندا خلال الحرب الباردة -منطقة ضبط للنفس– لا تخدم كساحة للتسابق على النفوذ، ولا تحاول هي في المقابل أن تسيطر على الدول الأخرى كما فعلت أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.


ويرى المقال أن إدارة ترامب تخشى في الغالب من أن تقوم إيران بتوزيع أسلحة جديدة على وكلائها في العراق وسوريا ولبنان وإعادة تسليح نفسها بينما تعود لتشغيل برنامجها النووي، إذ لن يكون بالإمكان إيقاف إيران نووية مسلحة بالأسلحة التقليدية من السيطرة على الشرق الأوسط.

 

ولكن الاقتصاد الإيراني أصبح ضعيفا بسبب العقوبات وأسعار النفط المنهارة، وحتى لو رفع الحظر فإنها لا تستطيع شراء كميات من الأسلحة الجديدة، كما أن طهران ليست فقط بعيدة عن تطوير قنبلة نووية ولكن كما ظهر في إطلاقها لقمر صناعي فإنها لا تملك إمكانية تركيب رأس نووي على صاروخ باليستي.


وكانت العلاقات الأمريكية الإيرانية سيئة لسنوات عديدة ولكن بدأت التوترات عندما انسحب ترامب من الصفقة النووية في أيار/ مايو 2018 وفرض سياسة جديدة أطلق عليها "الضغط الأقصى".

 

وزادت التوترات بعد اغتيال أمريكا لسليماني في أوائل كانون ثاني/ يناير 2020، وشكل ذلك بداية لتصعيد درامي بين القوات الأمريكية والمليشيات المدعومة من إيران في العراق.

 

ويقول الكاتب إن أفضل طريق لتخفيض التصعيد الآن هو جعل العراق محايدا كفنلندا، فقبيل الحرب العالمية الثانية طلب الاتحاد السوفييتي مساحة كبيرة من أراضي فنلندا لحماية "لينينغراد"، ولكن الفنلنديين رفضوا وفضلوا الحرب على الاستسلام، وغزت روسيا فنلندا في ما أصبحت تعرف باسم حرب الشتاء.

 

ولم يستمر الصراع أكثر من ثلاثة أشهر، وتكبد السوفييت عددا كبيرا من الضحايا، وقللوا من مطالبهم على طاولة المفاوضات في 1940، وتم وصف العملية بـ"الحياد النشط والمبدئي" وتم تتويجها عام 1948 باتفاق بين الفنلنديين والسوفييت على أن لا تنضم فنلندا إلى أي تحالف معاد لموسكو مقابل احترام السوفييت لاستقلال فنلندا وديمقراطيتها.


وبموجب هذا الترتيب، تجنبت فنلندا التحول إلى دولة ألعوبة بيد السوفييت وتجنبت أن تكون جارة لدولة معادية.


وتوصلت أمريكا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا إلى اتفاقية مشابهة لدى انسحابها من النمسا عام 1955.

 

وكان الزعيم السوفييتي نيكيتا خورشوف علق في وقتها: "هل هناك أي دليل أقوى.. ليظهر أن الاتحاد السوفييتي لا يسعى للاستيلاء على أوروبا وللقيام بأي حرب؟.. فمن يقوم بسحب قواته إن كان يريد الهجوم؟"، وبعد انسحاب قوات الحلفاء بوقت قصير من النمسا عام 1955 قام البرلمان النمساوي بالتصويت على قرار الحياد.


وبإمكان أمريكا وإيران الاتفاق للتعامل مع العراق كمنطقة حيادية مثل اتفاق أمريكا والاتحاد السوفييتي في التعامل مع فنلندا والنمسا كدول محايدة خلال الحرب الباردة. وخدم ذلك الترتيب تلك الدول بشكل جيد، وكذلك سويسرا والسويد. وقد اقترح العلماء تطبيق اتفاقيات شبيهة في مناطق مثل تايوان ودول شرق أوروبا والقوقاز.


ويستدرك الكاتب بالقول إنه من الضروري ملاحظة خط الفرق بين بعض هذه الأوضاع والعراق اليوم.


مثل فنلندا لدى العراق جارة قوية هي إيران والتي من مصلحتها أن تمسك بخيوط السياسة المحلية في الطرف الآخر من الحدود، وكلا البلدين لديهما راع أقوى مهتم بتركيبتها السياسية الداخلية. ويعيش العراق في منطقة أكثر تعقيدا من فنلندا، فبالإضافة لإيران توجد كل من تركيا والسعودية وتشارك حدودا مع سوريا، فيما سيادة بغداد لا تزال في حالة تطور ليس كما كان الحال بالنسبة لفنلندا عام 1940.

 

اقرأ أيضا: بلومبيرغ: نجاح رئيس الوزراء العراقي الجديد يكمن بفشله السريع


وتدعم طهران المليشيات الوكيلة في العراق، مثل المجموعات المنضوية تحت وحدات الحشد الشعبي، بينما توجد هناك قوات أمريكية على الأرض.

 

وكان لدى إيران اهتمام بالعراق منذ القرن السادس عشر، عندما طردت الإمبراطورية الفارسية من بغداد على يد العثمانيين. وتحت حكم الشاه الأخير، دعمت طهران طموحات الأكراد ورعت علاقات مع الشخصيات الشيعية لمنع ظهور منافس قوي على حدودها، وبعد الإطاحة بصدام، استغلت الفوضى الناتجة لمنع ظهور تهديد أمني آخر على حدودها.


وباعتبار هذه العوامل فإن عملية تحويل العراق إلى بلد محايد تتطلب عددا من الالتزامات من الطرفين:
الأول: تحتاج أن تلتزم إيران وأمريكا بسلامة أراضي العراق، وأن تمنح الأخيرة الحرية في منح المزيد من الاستقلال الذاتي أو التقليل منه للمحافظات والمناطق، ولكن لن تعترف أمريكا ولا إيران باستقلال أي أجزاء تسعى للانفصال، مثل حكومة منطقة كردستان.

 

سيطمئن هذا تركيا التي تنشر قواعد في منطقة كردستان بحجة مكافحة حزب العمال الكردستاني، لأنها تخشى أن استقلال المنطقة عن بغداد سيكون بمثابة بداية تهاوي قطع الدومينو الإثنية وتؤدي إلى انتفاضة جديدة لدى أكرادها ويشجعها على وقف انتهاك سيادة جارتها (وإيران تخشى أن يتشجع أكرادها للانفصال إن حصلت كردستان العراق على الاستقلال).


ثانيا: كما كان الحال في الاتفاقية مع النمسا، توافق أمريكا وإيران على سحب قواتهما، وذلك سيتضمن الجنود الذين يعملون تحت قيادة الحرس الثوري والمقاولين العسكريين الأمريكيين. ولن تستضيف العراق قواعد عسكرية معادية لأمريكا أو لإيران، ويجب تسليم كل القواعد العسكرية القائمة حاليا لبغداد أو تفكيكها.


ولاستخدام تعبير خروشوف بالنسبة لاتفاقية النمسا، سيخدم الاتفاق مؤشرا مكلفا للجانبين بأن أيا منهما ليس حريصا على احتلال العراق.

 

وثالثا: ستقدم أمريكا وإيران المساعدات للعراق فقط بشرط أن تقوم الحكومة المركزية بتحسين فعاليتها العسكرية بخصوص الأمن المحلي ومكافحة الإرهاب. وتقطع المساعدات إن فشلت بغداد في تحقيق مجموعة من المعايير التي تتفق عليها واشنطن وطهران، ويجب على الأخيرة الضغط على وحدات الحشد الشعبي لتنضم إلى الجيش العراقي.

 

وحاليا، تقع قيادة وحدات الحشد الشعبي اسميا بيد رئيس الوزراء، ولكن في الواقع فهي مستقلة بشكل كبير، وإيران هي المؤثر الرئيس عليها.

 

وتندرج في هذه النقطة أيضا أي مساعدة تقدم لحكومة كردستان، إذ يجب أن تكون مشروطة أيضا: بتنسيق أفضل مع بقية القوات العراقية وتركير أكبر على مكافحة الإرهاب.


إن هذه الظروف، بحسب الكاتب، ستعكس الوضع الذي دفع إيران وأمريكا لتصعيد التواجد في العراق، إذ لم تستطع القوات العراقية وحدها مكافحة تنظيم الدولة.

 

كما سيمنع اتفاق كهذا العودة إلى العدوانية التي سادت خلال حكم صدام بمنع العراق من غزو الدول الجارة، بينما تضمن الدولة العراقية من مكافحة الإرهاب.

 

وأخيرا، كان رفض أمريكا وضع شروط على المساعدات كفيلا بمنع رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي إقامة حكومة طائفية.


كما أنه يمكن لأمريكا أن تساعد على تخفيض التوتر بفصل مسارات البحريتين الأمريكية والإيرانية وحتى طرق القوات البرية وتأسيس خط ساخن في الخليج لمنع وقوع القتال خطأ.


والمفارقة بالنسبة لحملة الضغط الأقصى هي أنها إجراءات مصممة لإبقاء الأسلحة بعيدة عن أيدي الإيرانيين ولكنها تزيد من احتمال تورط أمريكا في حرب أخرى، والحل الأسهل هو تحويل العراق إلى بلد محايد.