ملفات وتقارير

ما تأثير تقارب روسيا و"حماس" على القضايا الفلسطينية؟

يأتي اللقاء أيضا عقب زيارة نفذها هنية إلى موسكو مطلع آذار/مارس الماضي- موقع حماس

جاء لقاء وفد روسي بقيادة حركة "حماس" في قطر، الثلاثاء الماضي، على مقربة من عزم حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطة الضم بالضفة المحتلة، ما أفرز تساؤلات حول أهداف التقارب بين الجانبين وتأثيره على الملفات الساخنة بالساحة الفلسطينية.


وحضر اللقاء من الجانب الروسي ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، وسفير روسيا لدى الدوحة نور محمد خولوف، ومن جانب "حماس" رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بالإضافة إلى رئيس مكتب العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة.

 

ويأتي اللقاء أيضا عقب زيارة نفذها هنية إلى موسكو مطلع آذار/مارس الماضي، وبات من الملاحظ أن التحرك الروسي تجاه القضية الفلسطينية صار أكثر حيوية في العامين الأخيرين، وتجلى ذلك في استعداد موسكو أواخر عام 2018 لرعاية المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ 13 عاما.

 

وعن الملفات التي جرى تداولها في اللقاء الأخير بالدوحة، أكد طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس" على "أهمية" اللقاء، وكشف عبر تصريح نشره موقع "حماس" أن اللقاء تركز حول "المسار السياسي للقضية الفلسطينية، واستراتيجية حماس في مواجهة صفقة القرن الأمريكية، وأوضاع الفلسطينيين بجميع أماكن تواجدهم".

 

واعتبر النونو اللقاء جزءا من جهود الحركة "لمواجهة خطة الضم"، وقال إن هنية استعرض خلاله مسارات تتخذها "حماس" في هذه المواجهة، ومنها: العمل بموقف فلسطيني موحد، والمقاومة الشاملة، والتعاون مع الدول الرافضة للخطة الإسرائيلية.

 

اقرأ أيضا: قراءة إسرائيلية في أسباب الرفض الروسي لدعم الضم بالضفة
 

وأشاد هنية بالموقف الروسي الرافض لصفقة القرن وخطة الضم، ورحب بجهودهم لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

 

وإلى جانب موقف روسيا المتمسك بحل الدولتين وفقا للشرعية الدولية، تحاول موسكو رعاية عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق ما أفصحت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير ترجمته "عربي21"، وذلك وسط اتهام فلسطيني للجانب الأمريكي بأنه "وسيط غير نزيه" في عملية السلام.


كما أشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى وجود دور روسي في إبرام صفقة تبادل أسرى بين "حماس" و"إسرائيل"، وسبق أن جرت مباحثات هاتفية بين هنية وبوغدانوف بهذا الصدد في نيسان/أبريل الماضي، عقب مبادرة "إنسانية" من حماس في ظل أزمة تفشي وباء كورونا. 


أبعاد العلاقة

 

يرى مدير مركز الحوار الفلسطيني صادق أبو عامر أن "المبادرات الروسية تجاه تطوير العلاقة مع حماس تأتي من سياق موقع موسكو الجيوسياسي الجديد بالمنطقة، فهي باتت تقف على حدود إسرائيل فعليا من خلال تواجدها في سوريا".

 

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال أبو عامر: "لدى روسيا رغبة بدور ونفوذ أكبر في الشرق الأوسط عبر القضية الفلسطينية والعلاقة مع الجانب الإسرائيلي، من خلال السعي لإحياء التسوية، وكذلك رعاية المصالحة الفلسطينية".

 

وتحاول روسيا من خلال هذه المبادرات إقناع "حماس" بـ"تليين موقفها" من "عملية السلام" التي تسعى موسكو لإحيائها، بما يضمن أن تكون "الحركة جزءا من هذا المسار"، وفق ما قاله أبو عامر.

 

وذكر أبو عامر أن هذا الدور الروسي يتصل بموقفها التاريخي والحيوي والذي مارسته مع منظمة التحرير إبان مؤتمر مدريد للسلام عام 1990، وكان لميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، والممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا، جهود خاصة في ذلك.

 

ويعد تحقيق المصالحة الفلسطينية، شرطا مهما أمام روسيا من أجل سحب الذرائع من الجانب الإسرائيلي والضغط عليه للجلوس على طاولة المفاوضات، وفق ما يراه أبو عامر.  

 

وحول إن كان التحرك الروسي تجاه القضية الفلسطينية مناقضا للدور الأمريكي المنحاز للجانب الإسرائيلي، قال أبو عامر: "روسيا هنا تكمل الدور الأمريكي ولا تعارضه، ولا تتحرك بعيدا عن الرغبة الأمريكية، لأنها تدرك أن الشرق الأوسط خاضع للنفوذ الغربي، وهي تسعى لأن تحافظ على مصالحها في مجال الاقتصاد والطاقة وسوق الأسلحة".

 

اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي يرصد فشل النظام السوري بهزيمة المعارضة
 

وعن سعي "حماس" لتطوير علاقاتها بروسيا، ينبه أبو عامر أنه يوجد في الشارع الفلسطيني مستوى من الثقة تجاه الدور الروسي، يسمح لـ"حماس" أن تقيم علاقات آمنة مع دولة بحجم روسيا، وهي دولة عظمى ونووية وعضو مجلس أمن.

 

وهذا "الثقل" لروسيا، يخفف من أي اعتراض أو تشكيك على مسار هذه العلاقة، فـ"حماس" تجد من خلال هذه العلاقة "غطاء سياسيا ومشروعية كمكون رئيسي من المكونات الفلسطينية التي تسعى لإيجاد حلول للقضية". 

 

وعن تأثير التحرك الروسي على مخطط الضم الذي يتوقع أن تباشر حكومة الاحتلال بتنفيذه مطلع تموز/يوليو المقبل، يقول أبو عامر: "إذا نجحت الجهود الروسية في توحيد الموقف الفلسطيني ممكن أن يضع عراقيل ويصعب مهمة الاحتلال".

 

ويلمح إلى أن اللقاء الأخير في الدوحة، قد يرتبط "بتخوفات من انفجار الوضع في الساحة الفلسطينية، لأن حالة الغضب الفلسطيني المتنامي قد تقود إلى تأجج الموقف على المستوى الميداني في الضفة الغربية أو قطاع غزة".

 

ويقول: "جزء من التحرك الروسي هو استطلاع الموقف الفلسطيني ومنه حركة حماس وتوجهاتها لمواجهة الضم، ومحاولة لتجنب سيناريو الانفجار".

وعن مستقبل الدور الروسي في القضية الفلسطينية، يرى أبو عامر أنه يمكن لجهود روسيا في هذه الظروف أن "تصل إلى نتيجة، فالأحداث تحمل الكثير من المفاجآت، ولا أستبعد أن يكون هناك حل ما في موضوع المصالحة، في ظل الشرط الإقليمي والدولي، فضلا عن مخاطر سياسة اليمين الإسرائيلي على الكل الفلسطيني".

حدود الدور الروسي

 

في المقابل، يميل المختص بالشأن الفلسطيني والروسي علي البغدادي إلى "عدم تحميل هذه الزيارات أكثر مما تحتمل"، وقال: "تأتي جميعها في إطار التنسيق والعلاقات العامة، ولا ينبي عليها برنامج عملي محدد من الطرفين".

 

وفي حديثه لـ"عربي21" يؤكد البغدادي أن موقف روسيا من القضية الفلسطينية واضح بالالتزام بالشرعية الدولية"، مضيفا: "روسيا ترغب في ممارسة دور سياسي أكبر في الشرق الأوسط، وبعد نجاحاتها في سوريا انفتحت شهيتها لدخول أكبر في قضايا المنطقة، وأهمها القضية الفلسطينية".

 

ويضيف: "لكن روسيا لا تملك لا الأدوات ولا إمكانية الضغط أو الترغيب والترهيب على الأطراف كما يفعل الأمريكان، الروس يدركون ذلك جيدا".

 

ومما يعيق الرغبة الروسية في تعميق دورها بالقضية الفلسطينية في الفترة الحالية، وفق ما يراه البغدادي أنها "منشغلة بمشاكل داخلية، وذلك في ظل هبوط أسعار النفط وأزمة كورونا"، دون أن يستبعد "تبلور دور مستقبلي لها".

 

وحول إمكانية تشكيل الجهود الروسية اختراقا في عملية السلام، يشير البغدادي إلى أنه ورغم أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقيم علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقدم له خدمة تساعده في النجاح بالانتخابات الأخيرة عبر استعادة جثمان الجندي الإسرائيلي "زخاريا بامول" من سوريا، إلا أن "التوجه داخل إسرائيل يعول على موقف الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، ولا يوجد ما يدفع اليمين الإسرائيلي للمفاوضات".

 

أما عن مساعي "حماس" في الحفاظ على علاقتها بروسيا، فيعتبر أنها نابعة من "مكانة روسيا كدولة عظمى"، وأن "حماس" بذلك "تحرج دولا أخرى ومنها عربية تحاول وصم الحركة بالإرهاب".

 

ويقول: "حماس تحاول اللعب في الهوامش، طالما روسيا لديها موقف معتدل من القضية الفلسطينية بخلاف الانحياز الأمريكي لإسرائيل".

 

وعلى الصعيد الروسي، ينبه البغدادي إلى أن "موسكو تحاول في سياساتها الحفاظ على علاقات قوية مع جميع الأطراف بما فيها إسرائيل والسلطة وحماس وإيران".

 

وعن مستقبل العلاقة بين روسيا و"حماس"، لا يستبعد أن تتطور في المستقبل، ويقول: "يمكن أن تنتقل من حدود العلاقات العامة نحو المصالح المشتركة".