أفكَار

محمد يتيم: هكذا واجه إسلاميو المغرب سياسة الاستهداف

محمد يتيم: حزب العدالة والتنمية تمكن من إفشال سياسات استهدافه واستئصاله (الأناضول)

يبدو أن نجاح الحزب في تدبير معركة "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" من خلال المسيرة المليونية ليوم 12 آذار (مارس) 2000 قد عزز هواجس بعض خصومه من تصاعد حجمه السياسي، وهو ما جعله مستهدفا إلى درجة أنهم قد روجوا لخطاب "المسؤولية المعنوية" للحزب عن الإرهاب.

وخلال هذه المرحلة رفض الحزب التنازل عن (المرجعية الإسلامية) مع العمل في نفس الوقت على القيام بعدد من المراجعات الفكرية تتعلق بفهمه للمرجعية الإسلامية باعتبارها مرجعية وطنية شاملة أي مرجعية للدولة والمجتمع، مع تدقيق تصوره للعلاقة بين السياسي والديني، وبين الحزبي والحركي الدعوي، والفصل التنظيمي بين العمل الدعوي والعمل الحزبي السياسي، ومراجعات على مستوى الخطاب أي اعتماد خطاب سياسي يتناسب مع وظائف ومهام الحزبي.
 
ولقد تمت ترجمة هذا التوجه في أدبيات الحزب ووثائقه التي أصبحت تعرف حزب العدالة والتنمية بأنه "حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية".

ومن جهة ثانية كرس مؤتمره السادس أطروحة النضال الديمقراطي انسجاما مع تحليل الحزب الذي عرفته البلاد في العشرية الأولى من الألفية الثانية، حيث اعتبر الحزب أن البلاد قد عرفت اتجاها تراجعيا، وانسجاما أيضا مع موقعه في المعارضة.
 
خلال الانتخابات التشريعية في 27 أيلول (سبتمبر) 2002 حصل على 42 مقعدا بمجلس النواب محتلا المرتبة الثالثة ومشكلا أكبر كتلة برلمانية في المعارضة. وحسب تقديرات متقاطعة فإن الرقم الحقيقي للمقاعد التي كان سيحصل عليها الحزب أكبر بذلك بكثير.

سيختار الحزب المعارضة، وسيجد نفسه خلال هذه المرحلة أي ما بين سنة 2003 وسنة 2011 في مرمى الاستهداف، وفي مواجهة ما اصطلح عليه بـ "التوجهات الاستئصالية"، حيث تم توظيف الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب لتحميله بما سمي "بالمسؤولية المعنوية" عن الحدث الإرهابي الذي عرفته مدينة الدارالبيضاء يوم 16 أيار (مايو) 2003.

خلال هذه المرحلة شهد المغرب ارتدادات سلبية لتلك الأحداث على الجو السياسي العام الذي دخله المغرب من الناحية السياسية والحقوقية، وهو ما وصل إلى حد التلويح بحل الحزب والحركة، أي حركة التوحيد والإصلاح، وعرفت المرحلة ضغوطا على الحزب وعلى عدد من رموزه مما دفع برئيس فريقه آنذاك لتقديم استقالته من تلك الرئاسة وانتخاب الأستاذ عبد الله بهاء على رأس الفريق، ونفس الشيء بالنسبة للدكتور أحمد الريسوني لتقديم استقالته بعد تشاور في الهيئتين وما بينهما، حيث تم انتخاب الأستاذ محمد الحمداوي رئيسا للحركة لولايتين متتاليتين.

في هذه المرحلة ستتبلور حركة سياسية بثوب مدني يوم 17 كانون الثاني (يناير) 2008 بتأسيس "حركة لكل الديمقراطيين"، والتي ستشكل الحاضنة التي سينمو بها حزب الأصالة والمعاصرة أو ما سمي حينها بـ "الوافد الجديد: الهمّـة القادم"..

 

 

                                   فؤاد عالي الهمة


الحركة، حسب بيان التأسيس، تدعو إلى العمل من أجل "وعي ديمقراطي متجدّد وتُـؤمن بالثوابت الوطنية مَـرجعا لها وتنتصر للقِـيم الديمقراطية منهجا وتعتز بمقوِّمات الهوية حيث جاء في بيان  التأسيس: "تأسيسا على خُـلاصات مشاوراتهم، وإيمانا منهم بالضرورة القُـصوى لتحسين وتقوية ما راكمه المغرب من مُـكتسبات وإنجازات في مجال الديمقراطية والتحديث، وشعورا منهم بتراجُـع مساهمة النّـخب الوطنية بمختلف مشارِبها ومواقِـعها إزاء مُـهمّـات تأطير المواطنين وتعبِـئتهم وإشراكهم في صياغة حاضِـرهم ومستقبلهم، واستشعارا منهم بالتحدّيات التي تواجهها بلادنا ولجسامة المسؤوليات المُـلقاة على عاتق الجميع: مجتمعا ودولة".

وحسب مؤسسي الحزب فإن المشهد السياسي المغربي يعرِف وجود قُـطب يساري (يسار ديمقراطي وماركسي راديكالي) وقُـطب يميني (أصولي إسلامي ومحافظ)، لكن المشهد يفتقد إلى وجود قُـطب ليبرالي ديمقراطي.

التأسيس علله أصحابه بعزوف المواطنين عن العمل السياسي المعبّـر عنه بحجم مقاطعة الانتخابات التشريعية، التي جرت في البلاد يوم 7 أيلول (سبتمبر) 2007.

وفي المقابل قابلت الأحزاب المغربية التأسيس لهذه الحركة برفض صريح تارة ومبطن تارة أخرى.. 

وفي منتصف تموز (يوليو) 2007، أي قُـبيل تشريعات أيلول (سبتمبر) 2007، جاء في قصاصة لوكالة الأنباء المغربية الرسمية أن العاهل المغربي قبِـل طلب فؤاد الهمّـة بإعفائه من مهامِّـه الرسمية كوزير منتدب في الداخلية، لرغبته في النشاط في العمل العام وخَـوض هذه الانتخابات كمرشح مُـستقل في دائرة الرحامنة، مسقط رأسه. التي فاز بها فوزا ساحقا، وكانت لائحته التي حملت شعار التراكتور (الجرار)، اللائحة الوحيدة التي فازت بكاملها (3 مقاعد).

سيتم بعد ذلك تشكيل فريق برلماني بمجلس النواب من أحزاب لم تتمكّـن من تشكيل فريق أو نواب خاضوا الانتخابات كمرشحين مستقلين، واحتل الفريق المرتبة السادسة وخاض معركته الأولى داخل مجلس النواب في الحصول على رئاسة لجنة العلاقات الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية والثقافية، وليكون أيضا ضمن الأغلبية للحكومة، بعد خروج الحركة الشعبية إلى صفوف المعارضة.

وفي عشت من سنة 2008، أعلن عن ميلاد حزب الأصالة والمعاصرة وعقد مؤتمره التأسيسي في شباط (فبراير) 2009 ليصبح في فترة قصيرة قوة سياسية في الساحة المغربية عصفت بميراث عدد من الأحزاب، حيث يتم بناؤه على تجميع خمسة أحزاب وجودِها تصنف في الأحزاب الصغيرة، وهي الحزب الوطني الديمقراطي وحزب العهد وحزب البيئة والتنمية وحزب رابطة الحريات وحزب مبادرة المواطنة والتنمية، التي "قررت" أن تندمج داخل الوافد الحزبي الجديد إلى جانب شخصيات سياسية ارتبط بروزها بـ "الحركة من أجل كل الديمقراطيين".

البيان التأسيسي للحزب قال إن قرار التأسيس يأتي في "إطار الدينامكية الإيجابية التي يعرفها الحقل السياسي الوطني، والتي عرفت تِـباعا تشكيل فريق نيابي داخل مجلس النواب، ثم فريقا ثانيا داخل مجلس المستشارين تحت اسم الأصالة والمعاصرة، انصهرت فيهما فعاليات برلمانية تنتمي إلى مشارب وتنظيمات حزبية مختلفة.. وتجاوبا مع العرض السياسي، الذي تقدّمت به الحركة لكل الديمقراطيين، قصد المساهمة في تأهيل الحقل السياسي الوطني والعمل على تجاوز واقع البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي.

حزب العدالة والتنمية ينتخب بن كيران أمينا عاما خلفا للدكتور سعد الدين العثماني ويصادق على أطروحة النضال الديمقراطي..

 

                      عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني


خلال الأعمال الداخلية الممهدة للمؤتمر اختمر داخل الحزب من خلال الحوار الداخلي نقاش حول مداخل الإصلاح والعرض السياسي والشعار الجامع الذي يتعين تبنيه: هل هو محاربة الفساد، هل هو مدخل الهوية أم التدبير، أم مدخل النضال الديمقراطي

إن الأطروحة التي صادق عليها المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية (2008) التي عكستها وثيقة "النضال الديمقراطي مدخلنا للإصلاح" تعبر من الناحية الفكرية والسياسية على واحد من الحلول الممكنة لمعادلة "الهوية والتدبير".

أطروحة "النضال الديمقراطي" كانت هي الجواب السياسي المتناسب من جهة مع تنامي التوجه الاستئصالي ضد الحزب، ما وصفة الحزب بالسيناريو التراجعي بالمقارنة مع التوجهات الإصلاحية السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية التي ميزت "العهد الجديد" أي فترة حكم الملك محمد السادس الذي خلف الملك الحسن الثاني رحمه الله سنة 1999 حين تصاعدت توجهات استئصالية ضد الحزب ـ وتوجهات للتحكم في الحياة السياسية، بما يرتبط بذلك من تمدد للفساد ومنطق الريع، سيكون رمزها الحزبي هو الوافد الجديد الذي كان يروج لنفسه بأنه "حزب الدولة"، أي حزب الأصالة والمعاصرة الذي سيعتبر نفسه مدافعا عن الحداثة، ومدافعا عن الإسلام  في مواجهة الإسلاميين، والذي اعتبر أحد رموزه أي إلياس العماري بأنه جاء لـ "محاربة الإسلاميين من أجل الإسلام".

وفي هذا المرحلة تشكل تحالف حزبي ثماني سيعرف اختصارا بـ G8، وسيخوض الحزب خلال هذه المرحلة معركة ضارية كان شعارها "مواجهة التحكم"، بعد أن كان بعد سنة 2003 أي بعد استهدافه بما سمي بـ "المسؤولية المعنوية "عن الإرهاب، قد خاض مواجهة سياسية وإعلامية تحت شعار "مواجهة الاستئصال".

 

إقرأ أيضا: محمد يتيم: هذه جذور إسلاميي المغرب التاريخية والسياسية

 

إقرأ أيضا: قصة إسلاميي المغرب والعبور من المساندة النقدية إلى المعارضة