ملفات وتقارير

مؤتمر بباريس يطلق دعوة لإنقاذ الديمقراطية في تونس

حقوقيون وسياسيون يناقشون في باريس مستقبل الديمقراطية في تونس- (عربي21)

نظّم مركز الدراسات العربية والتطوير "قَصد" بالعاصمة الفرنسية باريس يوم السبت 25 أيلول (سبتمبر) الجاري مؤتمره الأول للسنة الأكاديمية 2021-2022 تحت عنوان "تونس بعد 25 تموز (يوليو): التداعيات والمآلات". 

وقد حاول المؤتمر قراءة المشهد التونسي اليوم وتداعياته على المسار الانتقالي بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، معتمدا على الفصل الثمانين من الدستور وخاصة القرارات التي اعتمدها يوم الـ22 من الشهر الجاري والتي علّق عبرها العمل بالدستور واستحوذ على كل السلطات التنفيذية والتشريعية بالبلاد. 

شارك في المؤتمر نخبة من الحقوقيين والمفكرين والأكاديميين من تونس ومن باريس لتقديم تصوراتهم وقراءاتهم للمسار التونسي الذي يعتبر آخر القلاع الناجية من ثورات الربيع العربي قبل الإجراءات الرئاسية الأخيرة. 

افتتح المؤتمر من تونس الاقتصادي إسكندر الرقيق الذي قدّم مداخلة حول أسباب الأزمة الاقتصادية التي سقطت فيها البلاد وكيف فاقمت الإجراءات الرئاسية من هذه الأزمة بعد أن بشّرت بحلها وتجاوزها. تحدث الأستاذ الرقيق عن الخلل الكامن في آليات الفعل الاقتصادي التونسي المرتهن باللوبيات الاقتصادية من جهة وغياب الرقابة الحكومية والتنظيم القانوني من جهة أخرى. وقارن المختص الاقتصادي بالتجارب القريبة من المنوال التونسي والتي استطاعت عبر آليات دقيقة من القيام بعمليات إصلاح هيكلية استطاعت عبرها الخروج من حالة الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد السوق وامتصاص حالات التضخم.
 
وشاركت في المؤتمر من باريس الدكتورة سهام بادي وزيرة المرأة السابقة، وقد تركزت مداخلتها على الخروقات الجسيمة التي قامت عليها الإجراءات الرئاسية والتي صادرت كل الحقوق والحريات الأساسية التي نص عليها دستور 2014. كما أنها تطرقت إلى الأسس التي قامت عليها الإجراءات الرئاسية وهي وإن تذرعت بالخطر الداهم فإنها تحولت اليوم إلى مصدر خطر بسبب التداعيات الخطيرة لهذه الإجراءات. وأكدت الدكتورة بادي على أن ما حدث لا يمكن أن يوصف بغير الانقلاب وأن النخب التونسية مدعوّة اليوم إلى التوحّد من أجل استعادة الشرعية واستعادة المؤسسات.

من جهتها ركزّت أستاذة القانون الدستوري بالجامعة التونسية منى كريّم في مداخلتها التقنية القيمة على مجموع الانزلاقات الدستورية التي ارتكبها رئيس الجمهورية منذ إعلان تطبيق الفصل 80 من الدستور وإعلان الإجراءات الاستثنائية. وقد أشارت إلى خطورة الأوامر الرئاسية التي صارت في مرتبة أعلى من الدستور وهو الأمر الذي يضع الرئيس في وضعية أعلى من كل السلطات في البلاد بل إنه يلغي كل سلطة رقابية أو تعديلية على قراراته وأوامره. كما أنها أكدت على أنّه لا سبيل إلى تدارك الانزلاق الخطير دون العودة إلى الشرعية وإلى المؤسسات الدستورية وهي وحدها الكفيلة بتصحيح الأخطاء السابقة ومنع انزلاق البلاد نحو حكم دكتاتوري مطلق.
 
أما النائب في البرلمان التونسي ورئيس كتلة حزب قلب تونس الكتلة الثانية بمجلس نواب الشعب  الأستاذ أسامة الخليفي، فقد أقرّ في بداية مداخلته بالأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها أعمال مجلس النواب مُذكرا بأن تعطيل أعمال البرلمان كان عملية مقصودة من قبل كتل بعينها كانت تستهدف هذه المؤسسة السيادية. 

وأما ما وصفه بترذيل البرلمان فقد كان عملية تمهّد لتعليق عمل المؤسسة النيابية والانقلاب عليها، وهو الأمر الذي أقدم عليه رئيس الجمهورية عبر ما سماه بالإجراءات الاستثنائية. 

وأشار من جهته إلى أنّه خلافا لما يروّجه الإعلام فإن البرلمان لم يتوقف عن المصادقة على القوانين وعن اقتراح مشاريع القوانين طوال المدة النيابية مقارنة بمؤسسة رئاسة الجمهورية مثلا. كما أنه نبه إلى أن الصراعات التي يشهدها المجلس هي جزء لا يتجزأ من العمل النيابي نفسه القائم على الحوار والتنافس الحزبي. 

وقدّم الحقوقي والمحامي عبد المجيد المراري مداخلة مقتضبة عن الوضع القانوني في تونس بعد الإجراءات المعلنة من قبل رئيس الجمهورية والتي مثلت انزلاقة خطيرة في مجال الحريات الفردية والجماعية. وقد نبه الأستاذ المراري إلى المداهمات والمحاكمات العسكرية غير الدستورية التي أقدم عليها رئيس الجمهورية، كما أنه أشار إلى أن عددا من جمعيات حقوق الإنسان الدولية قد راسلت الرئاسة التونسية حول الانتهاكات الأخيرة دون أن تتلقى أي ردّ. 

من جهته، ثمّن مدير مركز قصد للدراسات العربية والتطوير الأستاذ محمد هنيد، ردود الفعل الوطنية والدولية بعد الانحراف الكبير الذي عرفه المسار الانتقالي التونسي، مؤكدا على دور المجتمع المدني في استعادة الشرعية ودولة المؤسسات. كما أنه أشار إلى حالة الجمود التي ميزت موقف النخب التونسية من الانزلاق الدستوري الخطير الذي يدشّن لعودة الدكتاتورية وحكم الفرد الواحد. 

واختتم المتدخلون مؤتمرهم بالدعوة إلى تكثيف الجهود وتجاوز الخلافات الحزبية والسياسية في سبيل إنقاذ المسار التونسي الذي صمد لمدّة عشر سنوات ضد الاختطاف والانزلاق. ودعا الحاضرون إلى تغليب لغة الحوار والتشاور ومنع الاستفراد بالرأي الذي سيقود حتما إلى اختطاف المكاسب الدستورية والحقوقية التي حققتها تونس رغم المصاعب والانكسارات. 

وكان الرئيس التونسي، أعلن منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، "إجراءات استثنائية"، شملت إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النّواب، فضلا عن توقيفات وإعفاءات لعدد من المسؤولين.

والأربعاء الماضي، قرر سعيد إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وأن يتولى السلطة التّنفيذية بمعاونة حكومة، وهو ما عده مراقبون وأطراف سياسية "انقلابا على الدستور".

 

 

 

 

إقرأ أيضا: رويترز: سعيّد يفقد أنصاره وخزينة الدولة شبه خاوية