ملفات وتقارير

وفاة آخر رهبان تيبحيرين.. هل يغلق ملف الاغتيالات بالجزائر؟

وفاة آخر الرهبان الناجين من مجزرة تيبحيرين في الجزائر عام 1996 (صحيفة النهار الجزائرية)

أُعلن دانيال نوريسات الكاهن في كاتدرائية القديس بطرس بالعاصمة المغربية الرباط أول أمس الأحد عن وفاة آخر الناجين من الاعتداء على رهبان تيبحيرين بالجزائر عام 1996 الأب "جان بيار شوماخر" في دير بمدينة تيفلت وسط المغرب. 

وقال الكاهن دانيال نوريسات في تصريحات صحفية: "غالبا ما كان جان بيار يقول إن نجاته من الاعتداء الإرهابي على رهبان تيبحيرين كانت دعوة من الله".

وكان شوماخر الذي توفي عن عمر ناهز 97 سنة، الناجي الثاني من الهجوم على رهبان تيبحيرين، في ولاية المدية في 26 آذار (مارس) 1996.. التي اتهمت السلطات الجزائرية ما تسميه بـ "الجماعات الإرهابية" باختطافهم ثم قتل سبعة منهم بعد تعذيبهم.

وبعد أربع سنوات على الواقعة، انتقل شوماخر إلى المغرب حيث انضم إلى مجموعة صغيرة من الرهبان الترابيست. كما توفي ناج آخر من مأساة مقتل رهبان تيبحيرين السبعة، وهو الأب أميدي نوتو، في عام 2008.

فهل تنهي وفاة الراهب شوماخر ملفي الرهبان الفرنسيين والاغتيال السياسي في الجزائر؟

تباينت مواقف الأطراف المرتبطة بملف الاغتيال الذي استهدف رهبان تبحيرين، فبينما تتهم السلطات الجزائرية الجماعات الإرهابية وتحملها المسؤولية الكاملة عن اختطاف وتعذيب وقتل الرهبان الفرنسيين، فإن تصريحات ومعلومات تسربت بعد وفاتهم بسنوات تفيد بضلوع ضباط كبار في المؤسستين الأمنية والعسكرية المرتبطة بالنظام الجزائري.

وقد أعادت صحيفة "النهار" المقربة من الأجهزة الأمنية الجزائرية نشر تصريحات منسوبة لرئيس المخابرات الفرنسي الأسبق "إيف بونيه" برأ فيها السلطات والجيش الجزائريين من الاعتداء. كما قال إن الوزير الأول الفرنسي "ألان جوبيه" هو من كان وراء اتهام الجزائر في قضية مقتل رهبان تيبحيرين.

كما اعتبر أن تورط الجزائر في مقتل رهبان تيبحيرين أكبر كذبة حاولت السلطات الفرنسية تسويقها للرأي العام الفرنسي. موضحا أن القوات الجزائرية كانت تقوم بدورها في مكافحة الإرهاب.

 



لكن الضابط السابق في المخابرات الجزائرية كريم مولاي، جدد في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، ضلوع المؤسستين العسكرية والأمنية الجزائرية في اختطاف رهبان تيبحيرين وتعذيبهم ثم قتلهم، ضمن سلسلة من الاغتيالات التي كانت هذه الأجهزة الأمنية تنفذها، بعد أن شكلت تنظيمات إسلامية واخترقتها بعناصرها، سعيا منها لكسب الشرعية الدولية في مكافحة ما يسمى بـ "الإرهاب".

وقال مولاي: "لقد أدليت بشهادتي العينية على الحادثة إلى القاضي الفرنسي مارك تريفيدج المتخصص بالإرهاب، والذي استمع إلي لمدة ثماني ساعات في 22 من أيار (مايو) 2012، وقد تناول معي بإسهاب كبير قضية الرهبان، وبعدها قضية الإرهاب والاغتيالات في الجزائر".

وأضاف: "وبناء على شهادتي وشهادات ضباط جزائريين آخرين أدلوا بدلوهم في هذه القضية، أعادت أجهزة الأمن الفرنسية فتح ملف رهبان تيبحيرين، الذي لا يزال مفتوحا إلى يوم الناس هذا.. لكن القاضي الفرنسي وبعد جدال كبير تمكن من زيارة الجزائر وطلب إعادة تشريح الجثث، وبالرغم من التضييقات تمكن من العثور على بعض العينات التي أكدت أن الرهبان ماتوا بعد تعذيبهم وأنه تم فصل رؤوسهم بعد قتلهم، في عملية بشعة".

وذكر مولاي أنه "قدم قائمة إسمية بالضباط المسؤولين بشكل مباشر عن اختطاف وتعذيب وقتل الرهبان، وأيضا عن مسلسل الاغتيالات والمجازر، وأن بعض هؤلاء عاد مجددا ليتصدر المشهد، ومنهم الجنرال التوفيق وخالد نزار وخاصة جبار مهنا الذي كان هو المسؤول المباشر على العملية لأنه كان قائد المركز الإقليمي للبحث والتحريات بالناحية العسكرية الأولى بالبليدة، بالإضافة إلى ضباط تمت ترقيتهم".

وأكد مولاي، أن "اغتيال الرهبان لم يكن حدثا فريدا من نوعه ترتكبه أجهزة الأمن والجيش في الجزائر، فقد تم استهداف المئات من القيادات في حينه، ومنهم عبد القادر حشاني القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي مرت أمس ذكرى اغتياله".

وقال: "من قتل الرهبان هو ذاته من قتل الجزائريين في بن طلحة والرايس والرمكة بغليزان وسيدي يوسف وبقية المجازر الرهيبة التي عاشتها المدن والقرى الجزائرية في 96 و97"، وفق تعبيره.

وعاد الخوف ليخيم مجددا على الجزائر بعد عودة عدد من الضباط الذين تحملوا مسؤوليات أمنية قيادية في تسعينيات القرن الماضي، بعد إلغاء الانتخابات في كانون الثاني (يناير) 1992، حيث تم تكليف شفيق مصباح المقرب من الفريق التوفيق، في منصب مستشار الشؤون الخاصة للرئيس، وعودة مجموعة من الضباط المتهمين بمجازر التسعينيات وعلى رأسهم جبار مهنا.

وكان القيادي في حركة "رشاد" المعارضة الديبلوماسي الجزائري محمد العربي زيتوت قد تحدث في وقت سابق عن عودة اللواء جبار مهنا، مؤكدا أنه أحد المقربين من الجنرال محمد مدين المعروف باسم "التوفيق". 

وذكر زيتوت، أن جبار مهنا كان معه عشرات المسؤولين في واحد من أهم مراكز البحث والتحريات، التي تم تأسيسها في النواحي العسكرية الست التي تتكون منها الجزائر، وهي الناحية العسكرية الأولى.. وأشار إلى أنه في هذه المراكز تم تنفيذ العديد من أشكال التعذيب والاغتيالات غير المسبوقة..