اقتصاد عربي

مصر بدأت 2021 بفرض ضرائب واختتمتها بأخرى إضافية

العديد من القطاعات فرضت عليها ضرائب بنسب عالية- جيتي
في مفارقة من مفارقات الحكومة والبرلماني المصري، بدأ عام 2021 بفرض ضرائب واسعة واستقطاعات دائمة من رواتب الموظفين، لصالح صندوق تكريم ضحايا ومصابي ومفقودي الجيش والشرطة، وانتهى بإقرار مجلس النواب قوانين حكومية بفرض ضرائب ورسوم تتعلق بضريبة القيمة المضافة، ورسوم تنمية موارد الدولة.

وكان أول مشروع يناقشه البرلمان مطلع عام 2021، ويقره في وقت لاحق، هو مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء صندوق تكريم "شهداء و ضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم"، وتضمن فرض ضرائب على الكثير من الخدمات والطلبات والعقود والتذاكر.

وما بين أول العام ونهايته، ناقش البرلمان وأقر العديد من المشروعات بقوانين تضمنت فرض ضرائب ورسوم جديدة غير مسبوقة في تاريخ الضرائب ومضاعفتها، حتى باتت أسعار بعض الدمغات والرسوم مبالغ فيها بشكل يضاعف تكلفة الخدمة عدة مرات.

وافق مجلس النواب على قرار رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بتعديل بعض فئات التعريفة الجمركية، وتضمن القرار فرض رسوم بنسبة 10% على الهواتف المحمولة، وبذلك يرتفع إجمالي الضرائب المفروضة على الهواتف بعد هذه الزيادة إلى نحو 35%

إقرار قانون تنظيم انتظار السيارات أو ما يعرف بقانون "السايس"، الذي أقر تحت رقم 150 لسنة 2020، بشأن تنظيم انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

وإقرار مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، وقانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، الذي تضمن لأول مرة فرض ضرائب ورسوم جديدة، مع العلم أنه يتم تعديل القانون كل فترة لفرض المزيد من الضرائب.

آخر تلك القوانين كان موافقة لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب على قرار رئيس مجلس الوزراء بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، والقانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، والقانون رقم 74 لسنة 1999 بفرض ضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي.

وشملت التعديلات زيادة الضرائب على الكثير من السلع والخدمات، مثل أسماك السالمون والروبيان (جمبري) واستاكوزا، وأجبان ذات عروق زرقاء، ومنتجات الصابون والمنظفات الصناعية والخدمات الإعلانية بقيمة 14%، والفواكه، سواء طازجة أو مجففة، والبن المحمص، والشوكولاتة، والعطور، ومستحضرات التجميل، ولعب الأطفال، و2% من قيمة السلع المعمرة، و5% من القيمة النهائية للمشروبات الغازية، وإخضاع تعاملات التجارة الإلكترونية للضريبة بنسبة 14%، عن طريق تطبيق نظام تسجيل وتحصيل مبسط بدلاً من النظام القائم حالياً.

وقبل أن يقلب العام 2021 آخر صفحاته، كانت آخر القوانين التي وافق عليها مجلس النواب هي الموافقة على مشروع قانون مقدّم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى إقرار بعض الإعفاءات الضريبية التي تمس القطاعات المختلفة.

وتستهدف وزارة المالية زيادة الحصيلة الضريبية خلال العام المالي المقبل بنسبة 18.3% بقيمة 983 مليار جنيه، أي ما يعادل 62.8 مليار دولار، أي نحو 75% من إجمالي إيرادات الدولة المتوقعة 1.3 تريليون جنيه، أي نحو 83 مليار دولار.

وارتفعت حصيلة الضرائب في مصر منذ الانقلاب العسكري 2013-2014 من 260 مليار جنيه فقط إلى نحو تريليون جنيه، أي أنها تضاعفت نحو 4 مرات في 7 سنوات فقط، وجاءت معظمها من جيوب المواطنين، في حين تعفي القوانين شركات الجيش والشرطة من أي ضرائب أو رسوم.

 

 


ارتفاع الأسعار وانكماش القطاع الخاص

وانعكست تلك الضرائب والرسوم على المواطنين بشكل بالغ، حيث أثرت بشكل مباشر على ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، سواء الاستهلاكية أو الغذائية أو المعمرة أو العقارات، بنسب تراوحت بين 15 و40 بالمئة، حيث رفعت الحكومة المصرية نفسها سعر زجاجة التموين مرتين خلال العام 2021 من 17 جنيها إلى 25 جنيها، بزيادة قدرها 8 جنيهات، أو ما يعادل 47%.

وارتفعت أسعار الأدوات الكهربائية واللدائن والمفروشات بنسب متفاوتة تراوحت بين 20 و40، وكذلك أسعار العقارات والسيارات والأخشاب والأثاث المنزلي، سواء المحلي أو المستورد، بنفس النسب تقريبا، وفقا لمسؤولين في الغرف التجارية.

كما انعكست القرارات والإجراءات الحكومية بفرض رسوم وضرائب جديدة على أوضاع المصانع والشركات التي تخوض تحديا آخر لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، والمحافظة على الإنتاج والعمال، في الوقت التي ترتفع فيه أعباء فرض التزامات مالية جديدة.

وواصل نشاط القطاع الخاص غير النفطي انكماشه نهاية العام للشهر الحادي عشر على التوالي؛ بفعل تباطؤ الإنتاج، وتراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 48.7 من 48.9، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، والذي يستند على خمس ركائز رئيسة، هي الطلبيات الجديدة ومستويات المخزون والإنتاج، وحجم تسليم المُوردين، وبيئة التوظيف والعمل.

حشو القوانين بالضرائب

واتهم خبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، الحكومة المصرية "بازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بالمواطنين والجيش، فالمواطن هو وحده من يتحمل عجز الموازنة الذي يزيد مع الوقت، فتراها تجري عدة تعديلات على القانون ذاته؛ من أجل حشوه بالمزيد من الضرائب والرسوم، مثل قانون الضريبة المضافة، والمرور، وغيرهما".

وتوقع، في تصريحاته لـ"عربي21"، "أن تفرض الحكومة المصرية عبر برلمانها "المروض و المسيس" المزيد من الرسوم والضرائب والدمغات والمكوس لعدة أسباب، من بينها؛ زيادة عجز الموازنة عاما تلو الآخر، زيادة فاتورة الديون أقساطها، تراجع قيمة الجنيه الحقيقية، ارتفاع التضخم، تمويل بعض المشروعات المتناثرة هنا وهناك".

الضرائب في غير مكانها

بدوره، استهجن أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، مصطفى شاهين، "اعتماد الحكومة المصرية على سياسة اقتصادية قديمة هي الجباية، وافتقار خطط الدولة لبرامج تنموية حقيقية تساعد على زيادة مواردها، وإنعاش اقتصادها، وتحسين مستوى الخدمات ومستوى المواطنين".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "الضرائب في مصر هي المكون الرئيس لموازنة الدولة، وتبلغ نحو 75% من حجم إيراداتها، وأن أثر هذه النسبة سيكون كبيرا على المواطنين وعلى مستوى الخدمات لو قامت بإنفاقها على تحسين الصحة والتعليم، وبناء المصانع، وتوفير فرص العمل، لكنها للأسف تذهب لزيادة عجز الموازنة، وبالتالي لن تحدث أي تنمية حقيقية".

على المستوى الداخلي، أثارت قوانين الضرائب العديد من النواب الموالين في البرلمان المصري، واتهموا الحكومة بالكذب، بعد أن وعدت بعدم فرض ضرائب جديدة، وقال النائب عبد المنعم إمام، في تصريحات صحفية، "إن مشروع قانون تنمية موارد الدولة "جريمة في حق الطبقة المتوسطة في مصر، التي عانت خلال الفترة الماضية".