ملفات وتقارير

تحول غير مسبوق في علاقات مصر مع الاحتلال خلال 2021

قال دبلوماسي إسرائيلي إن وجود السيسي في الحكم فرصة لـ"التغلغل في دوائر صنع القرار بمصر"- الأناضول

شهد عام 2021 تحولا استراتيجيا غير مسبوق في تاريخ علاقات مصر مع الاحتلال الإسرائيلي، على مستويات عدة، بفضل وجود رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بحسب رأي خبراء عسكريين وسياسيين مصريين وإسرائيليين.


على المستوى السياسي يقول الجنرال الإسرائيلي عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق ومسؤول كبير في شعبة الاستخبارات: "لمن اعتاد على البرودة من القاهرة، فإن المبادرات الطيبة هي الأخرى مؤشر للتغيير في مواقف القيادة المصرية".


ورأى في مقال نشر في صحيفة "معاريف"، في تشرين الثاني/ نوفمبر بعنوان "نقطة لقاء"، أن "وضع العلم الإسرائيلي في لقاء السيسي مع رئيس الحكومة نفتالي بينيت، يصنف بادرة طيبة، إضافة لرحلات شركة الطيران المصرية إلى مطار "بن غوريون"، وأخيرا صورة جماعية للقاء التنسيق العسكري".


ورأى أن "كل هذه هي بمثابة مؤشرات علنية على تحول استراتيجي آخذ في التحقق، كما انعكس هذا أيضا في اللقاء الأمني بين رئيس هيئة الأمن القومي إيال حولتا، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل".


إنقاذ للاحتلال


على المستوى التجاري، تحولت مصر في غضون أقل من عامين إلى أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي من إسرائيل في العالم، مع بدء تدفق الغاز إليها مطلع عام 2020 في صفقة تاريخية تجاوزت قيمتها 19.5 مليار دولار لمدة 15 عاما، وتعزيز هذه الصفقة باتفاقيات أخرى لزيادة كميات الغاز تعود بفوائد كثيرة للاحتلال الإسرائيلي ماديا وسياسيا.


وتعتزم مصر زيادة واردات الغاز من إسرائيل إلى 600-650 مليون قدم مكعبة يوميا بحلول الربع الأول من عام 2022 (بدلا من نحو 500 مليون قدم مكعبة يوميا) بدعوى إعادة تصديره، ما يتطلب بناء خط أنابيب بري جديد يمكن تركيبه في 2024-2025، بحسب تصريحات وزير البترول المصري طارق الملا.

 

اقرأ أيضا: أبرز 5 صفقات سلاح عقدتها مصر خلال عام 2021


ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن من شأن الخط البري الجديد أن يعزز وضع إسرائيل كمركز رئيسي للطاقة في شرق البحر المتوسط؛ بعد أن تمكنت من تصريف المخزون الهائل من الغاز إلى مصر، حيث لا تمتلك إسرائيل محطات لتسييل الغاز كما في مصر، ولا توجد أي أنابيب غاز مع دول الجوار في الضفة الأخرى من البحر المتوسط.


ووصف رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، صفقة بيع الغاز إلى مصر في شباط/ فبراير 2018 "بالتاريخية"، مؤكدا أن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضا علاقاتها الإقليمية، مشيرا إلى أن الاتفاق "يوم عيد".


إسقاط الخطوط الحُمر


وبالتزامن مع ذكرى حرب أكتوبر 1973 حطت أول طائرة تابعة لشركة "مصر للطيران" الحكومية في مطار بن غوريون الإسرائيلي في خطوة وصفها المتحدث باسم هيئة الطيران المدني الإسرائيلي عوفر ليفلر بأنها "سابقة تاريخية"، حيث ستقوم مصر للطيران بتسيير 4 رحلات أسبوعيا بين القاهرة وتل أبيب.


وهذه المرة الأولى التي تصل فيها طائرة تابعة لشركة مصر للطيران بشعارها الرسمي، فيما كانت في السابق تصل دون شعار أو تحت اسم شركة "طيران سيناء"، بهدف تسيير رحلات جوية بين البلدين، تجنبا لظهور شعارها الرسمي في إطار الرفض الشعبي للتطبيع.


تلك الخطوة اعتبرها البعض إسقاطا لآخر "الخطوط الحمر" للتطبيع التي كان السادات قد كتبها بخط يده، حيث شهدت الشهور الـ12 الأخيرة أكبر عملية تحول تاريخي في العلاقات العربية الإسرائيلية، لدرجة أن هناك تنافسا عربيا على التقرب لإسرائيل.


وبحسب السفارة الإسرائيلية في القاهرة، فإن سواحل سيناء في حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو الماضيين استقطبت عددًا قياسيًا يتجاوز الـ70 ألف سائح من الإسرائيليين قدموا للتمتع بما تعرضه هذه الشواطئ من الجمال والاستضافة الرائعة.

 

 


تعديل بنود أمنية

 
على مستوى التعاون الأمني والعسكري، أعلن الجيشان المصري والإسرائيلي، في بيانين منفصلين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عن تعديل بعض بنود الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الجانبين من أجل تعزيز قوات حرس الحدود المصرية وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.


وسمح هذا التقارب بين القاهرة وتل أبيب بأن تلعب مصر دورا في التهدئة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، والانخراط لأول مرة في عمليات إعادة الإعمار، لكن نهاية العام المنصرم صعدت حركة حماس من لهجة خطابها حيال مصر، واتهمتها بعدم الوفاء بما التزمت به كوسيط بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وبين الاحتلال الإسرائيلي.


وتتواصل الإشادات الإسرائيلية بالسيسي من كل حدب وصوب، إذ أشاد دبلوماسي إسرائيلي بأدائه تجاه تل أبيب، منوها إلى أن وجوده في الحكم يمنح تل أبيب فرصة كبيرة لتوطيد علاقاتها بالقاهرة والتغلغل أكثر في مختلف دوائر التأثير وصنع القرار في مصر.

 

اقرأ أيضا: إلغاء الدعم.. أثاره السيسي في 2021 فهل يطبقه في 2022؟


وأوضح سفير الاحتلال السابق لدى مصر، إسحاق ليفانون، في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم"، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أن "العلاقات الأمنية والعسكرية التي لم نشهد مثيلا لها من قبل، نشأت بسبب تماثل المصالح بين الطرفين، وتغييرات تاريخية تقع في الشرق الأوسط، وفوق كل هذا، يوجد استعداد مصري لعدم إخفاء العلاقات مع إسرائيل مثلما كان في الماضي".


حفاوة إسرائيلية


من جانبه، أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى المصري السابق رضا فهمي أن "السيسي كنز حقيقي للاحتلال الإسرائيلي خاصة بعد أن قام بتغيير عقيدة الجيش المصري، من عدو إلى حليف استراتيجي خدم مصالحه ويحاصر المقاومة الفلسطينية".


وأشار فهمي في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "هذ التحول الكبير في العلاقات بين البلدين يضر بالأمن القومي المصري من ناحية، ويخدم أهداف الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى، وذلك مقابل أن يساعده الكيان الإسرائيلي في بقائه على كرسي الحكم ودعمه دوليا وإقليميا من خلال الضغوط الدولية الذي يحترفها".


من جهته، يؤكد الخبير العسكري العقيد السابق عادل الشريف، أن "شهادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين بحق السيسي تؤيد وتدعم بقوة ما ذهبنا إليه وأكدنا عليه مرارا بأن هذا الرجل وصل بالعلاقات مع الاحتلال إلى أعلى نقطة على جميع الأصعدة ولكها للأسف لا تخدم الأمن القومي المصري بل تضره وهو أمر متعمد، فالحفاوة الإسرائيلية بالرجل ليست من فراغ".


وتابع حديثه لـ"عربي21": "على مدى عدة عقود حافظت الأنظمة المصرية السابقة على مسافة من دولة الاحتلال، وكان أي تقارب مرصود شعبيا وسياسيا، ولكن ما تحقق في سنوات حكم السيسي الأخيرة لم يتحقق للكيان الصهيوني منذ عقود"، مستدركا بأن "الرهان على شخص السيسي رهان خاسر فمصر ليست السيسي"، وفق تقديره.