كتاب عربي 21

المغرب والجزائر: إلى أين تسير العلاقات؟

1300x600
بعد أقل من سنة من تعيينه "مبعوثا خاصا لمسألة الصحراء الغربية ودول المغرب العربي"، يبدو أن جعبة عمار بلالي قد جفت من النبال والسهام، وهو الذي تخصص في الهجوم على المغرب مهملا الشق الثاني من صفته الوظيفية، ولم يترك لذلك اتهاما أو نقيصة إلا وألصقها بـ"الجار الغربي"، أو تحليلات مناوئة أو تنبؤات في غير مصلحة المغرب إلا وأصدرها. شهور تقترب من السنة كان فيها بلالي في صدر الحملة المتواصلة ضد المغرب منذ الإعلان الجزائري عن قرار قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وما تلاه من قرارات كرست للقطيعة السياسية والاقتصادية لعل ذلك يؤثر في مسار "النجاح الديبلوماسي" المغربي، الذي شكل انضمام الجارة الشمالية للبلدين والمستعمرة السابقة لمنطقة الصحراء تتويجا تاريخيا له، بعد انزياحها لتنبي وجهة النظر المغربية في اعتبار خيار الحكم الذاتي الخيار الأكثر واقعية لحل الصراع الذي دام عقودا واستنزف البلدان جميعها، بل صار يعرض المنطقة لمخاطر أمنية كبرى.

لم تترك الديبلوماسية الجزائرية مجالا رأت فيه فرصة للإيلام أو "العقاب" إلا وأغلقته، بدءا بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي وبعده المجال الجوي، مع الاستمرار في تسجيل المواقف السياسية المعادية بالانسحاب أو الاحتجاج كلما بادرت منظمات دولية أو إقليمية لتبني خريطة لا تأخذ في الاعتبار حدود جمهورية "الوهم" التي صرفت الجزائر على دعمها وتسليحها المليارات. جمهورية "وهم" لم يجد ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، سببا يدعوه لزيارتها، وهو الذي قصر تحركه الأخير بالمنطقة على العاصمة الرباط.
لم تترك الديبلوماسية الجزائرية مجالا رأت فيه فرصة للإيلام أو "العقاب" إلا وأغلقته، بدءا بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي وبعده المجال الجوي، مع الاستمرار في تسجيل المواقف السياسية المعادية بالانسحاب أو الاحتجاج كلما بادرت منظمات دولية أو إقليمية

هكذا لن يجد إبراهيم غالي فرصته في التقاط صورة هو في أمسّ الحاجة إليها لدعم الدعاية الإعلامية للجبهة وداعميها. تكفيه صوره وهو يجلس بالمنصة الرسمية لمتابعة العرض العسكري الذي نظمته الجزائر بمناسبة ستينية الاستقلال وبجانبه محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، الذي تم استقدامه على ما يبدو رغبة في استفزاز الجار الغربي الذي اختار المضي قدما في علاقاته مع الكيان المحتل للأراضي الفلسطينية وتعميقها. سبق للجزائر أن أقدمت على فعل مماثل منذ عقود مع الراحلين ياسر عرفات ومحمد عبد العزيز الذي كان الأمين العام لجبهة البوليساريو، ولم يكن للمغرب وقتها علاقات معلنة مع إسرائيل، وانتهى الأمر بخطاب للملك الراحل الحسن الثاني أعلن فيه القطيعة مع منظمة التحرير وممثليها، قبل أن تمر تحت الجسور مياه كثيرة أعادت الأمور لنصابها.

وبالرغم من المحاولات المضنية لتحويل وجود محمود عباس وإسماعيل هنية في الجزائر لـ"حدث تاريخي" كما أرادته الدعاية الرسمية، كانت لبيانات منظمة التحرير وحركة حماس الكلمة الفصل في دحض أي استغلال سياسي ممكن يسعى للترويج لاختراق في المصالحة الوطنية الفلسطينية التي لم يتم التطرق لها في الأصل. صورة عباس المتجهم الوجه والمتأفف من مصافحة هنية كانت أبلغ تعبيرا من أية أساطير، المهم أن الزيارة "التاريخية" انتهت بتسليم أبي مازن الرئيسَ عبد المجيد تبون قرارَ بلدية رام الله بتسمية أحد شوارع المدينة الرئيسية باسم الجزائر، "تقديرا وتكريما للجزائر وشعبها الشقيق، ومواقفهم المشرفة مع القضية الفلسطينية"، علما أن الجيش الجزائري اختار في عرضه العسكري "الهتاف" لغزة دونا عن غيرها من مدن وقرى فلسطين.
من المفهوم أن تبادر أي دولة توجد في قطيعة ديبلوماسية إلى محاولة استغلال الفرص المتاحة كلها للإضرار بمصالح الدولة الأخرى، لكن محاولات القفز على القضايا الكبرى للأمة وتحويلها لمجرد أداة للإضرار بالغير إساءة كبرى للقضية وتاريخها

من المفهوم أن تبادر أي دولة توجد في قطيعة ديبلوماسية إلى محاولة استغلال الفرص المتاحة كلها للإضرار بمصالح الدولة الأخرى، لكن محاولات القفز على القضايا الكبرى للأمة وتحويلها لمجرد أداة للإضرار بالغير إساءة كبرى للقضية وتاريخها. فلسطين التي يعتبرها الجزء الغالب من الأمة قضيته الأولى ليست مجالا للتلاعب بالصور ومحاولات تسجيل النقاط، بل هي فرصة مفتوحة لمن يملك القدرة على التأثير بالإيجاب في مسارها الداخلي والخارجي للمبادرة والإقدام الفعليين.

وإن كان توجيه الضربات من تحت الحزام أمرا قد يبدو مفهوما في أوقات القطيعة والصراع، فإن الإبقاء على "المشترك" بعيدا عن التنابذ وتحييده عن الصراع باعتباره نافذة يمكن الإبقاء عليها مواربة لعلها تشكل منطلقا لأية حلحلة مستقبلية ممكنة؛ أمر محمود. لكن الواضح أن تصريحات وزير الخارجية رمضان لعمامرة بأن "لا وساطة مع المغرب سواء أمس أو اليوم أو غدا" قاعدة يجب البناء عليها والتعامل على إثرها حتى حين.

وإن كانت جعبة عمار بلالي، ومعه وزارة الخارجية الجزائرية، قد جفت على ما يبدو من النبال والسهام واستنفدت مخزونها الديبلوماسي والاقتصادي المبني على مبدأ "العقاب"، فإن مصالح الوزارة تلك لم تجد غير "الوشاية" بمجموعة من الباحثين والأساتذة الجامعيين الجزائريين لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أبلغت الأخيرة رؤساء الندوات الجهوية للجامعات، أن مصالحها قد تلقت "مراسلة من وزارة الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، تعلمنا من خلالها عن عضوية عدد من الأساتذة الجامعيين الجزائريين في اللجنة العلمية للمجلة المغربية التي تدعى "الباحث"، والتي يديرها الأستاذ محمد القاسمي مغربي الجنسية". وأضافت أنه قد سبق للمجلة المذكورة أن نشرت مقالات معادية للجزائر "تدافع عن الأطروحات المغربية بشأن قضية الصحراء الغربية"، مستشهدة بمقال حمل عنوان "أسباب طرد الجمهورية الوهمية (البوليساريو) من الاتحاد الأفريقي".

نفس المراسلة الرسمية طالبت رؤساء الجامعات الجزائرية بالتواصل مع الباحثين المعنيين ومطالبتهم بالانسحاب الفوري من اللجنة العلمية للمجلة المغربية، وعدم نشر أية مقالات أو أبحاث علمية في المجلات المغربية، مع تذكير الأساتذة والباحثين بـ"مناورات المغرب الرامية إلى توظيف الجزائريين بمختلف شرائحهم ضمن سياسته العدائية والدعائية ضد بلادنا". ولأن أمرا كهذا يبقى مستهجنا وقد لا يلقى قبولا من فئة الباحثين الجامعيين الذين تشكل الاستقلالية في الفكر أساس عملهم الأكاديمي، فقد بادرت مجلة تابعة للجنرال المتقاعد خالد نزار إلى التأكيد على أن "الإبقاء على العلاقات مع أجهزة الدعاية للمخزن سوف ينظر إليه على أنه خيانة عظمى".
الجزائر مقبلة على تنظيم اجتماع "قمة" عربية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فكيف يا ترى ستتعامل مع الوجود المغربي إن تكرمت وتنازلت وقدمت له الدعوة للحضور؟

وزارة الخارجية الجزائرية التي تصول وتجول العالم لعقد "المصالحات" بين الفرقاء المتخاصمين وتدبج البيانات بالسعي لرأب الصدع وإرساء مبادئ عدم التدخل وتسوية النزاعات ودعم السلم الدولي، ترى في مشاركة أكاديميين جزائريين في لجان علمية بمجلات مغربية أو حضورهم ندوات ومحاضرات تعاونا مع العدو. ليس الأمر غريبا إن استعدنا ما وقع لوفد صحفي مغربي معتمد لتغطية فعاليات دورة الألعاب المتوسطية بوهران، حيث منع أفراده من دخول البلاد وتحولوا من صحفيين إلى مجرد عسكر وبوليس وجواسيس في تغريدات زملاء في المهنة آثروا تبني الأطروحة الرسمية على حساب المهنة وأخلاقياتها. نفس الدورة الرياضية شهدت قطع النشيد الوطني المغربي نكاية في شعار المملكة، بعد تسميته بالنشيد الوطني الفاسي "تعففا" عن ذكر المغرب وطنا معترفا به في مختلف المنتديات.

الجزائر مقبلة على تنظيم اجتماع "قمة" عربية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فكيف يا ترى ستتعامل مع الوجود المغربي إن تكرمت وتنازلت وقدمت له الدعوة للحضور؟