أفكَار

يوسف حامد العالم ودوره في التأسيس للصحوة الإسلامية بالسودان

أمين حسن عمر يروي سيرة البروفيسور يوسف حامد العالم ودوره في الصحوة الإسلامية المعاصرة بالسودان
على الرغم من أن الإسلاميين في السودان قد حكموا البلد نحو ثلاثة عقود كاملة، إلا أن تجربتهم كانت في أغلبها تعكس طبيعة المواجهة مع النظام الدولي، الذي تحفظ ولا يزال يتحفظ على إشراك الإسلام السياسي في الحكم.

أما الآن وقد انتهت تجربة الإسلاميين في السودان، فإن ذلك يسمح بإعادة قراءة التجربة وتأملها، وليس هنالك طريقة أكثر قربا من معرفة أسرار واتجاهات الحركة الإسلامية السودانية، وأكثر صدقا من قراءة تجارب وأطروحات قياداتها.. وهذا ما فعله القيادي فيها الدكتور أمين حسن عمر، بسلسلة مقالات يسجل فيها سيرة قيادة الحركة الإسلامية في السودان، تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك،" في سياق تعميق النقاش ليس فقط حول تجارب الإسلاميين في الحكم، وإنما أيضا في البحث عن علاقة الدين بالدولة.


يوسف حامد العالم.. التقى سيد قطب شخصيا  

ولد دكتور يوسف حامد العالم في 1928 في قرية بكردفان، هي قرية أم رسوم في دار المسيرية الزرق في أسرة متدينة، وكان جده لأبيه محمد المهدي من أوائل الذين درسوا بالأزهر الشريف بمصر، وتوفي والده صغيرا فاهتم أعمامه بتعليمه وتحفيظه للقرآن، وتلقى القرآن بقرى المنطقة في التكيلات وود العالم.

وفي العام 1945، هاجر إلى تشاد ليلتحق بالمعهد العلمي الثانوي هناك، ومكث فيها حتى أحرز درجة (القونية)، وهي درجة إكمال حفظ القرآن وفهم معانيه. بعدها عاد إلى دياره للعمل في التجارة، لكن أحد إخوته صمم على إرساله لأم درمان لإكمال تعليمه فوق الثانوي.. لكن يوسف كان قد سمع بمعهد الشيخ محمد حامد التكينة في قرية التكينة فالتحق به، لكنه سرعان ما غادر إلى مصر بعد أن وجد فرصة للدراسة هناك، حيث التحق بمعهد القاهرة الديني الثانوي ليتمكن من الالتحاق بالأزهر، وبالفعل قبل في العام 1959 بالأزهر الشريف في كلية الشريعة والقانون. 

وقد التحق بحركة الإخوان إبان دراسته في مصر واتصل بقادتها.. وقد حُكي أنه تلقى كتاب معالم في الطريق من سيد قطب شخصيا، رغم ظروف المحنة التي أحاطت بالحركة آنذاك. 

وبعد الحصول على الإجازة والماجستير في الشريعة والقانون، عاد للسودان وعمل بالمدارس الثانوية لفترة قصيرة في العام 1966، لكنه قبل لوظيفة معيد بالجامعة وابتعث لمصر لتحضير الدكتوراه. وفي عام 1969 بعد حكومة الانقلاب اليساري، ألغيت الجامعة الإسلامية وحولت لكلية دراسات عربية وإسلامية وأوقفت البعثات، لكن يوسف العالم أكمل الدكتوراه على نفقته الخاصة. وعاد في العام 1971 ليعمل بالكلية التي أعيدت فيما بعد إلى صفتها الأولى جامعة مرموقة.

وبعد عودة الجامعة في 1976 عين د. يوسف عميدا لكلية الدراسات الإجتماعية وكلف في العام 1980 بتأسيس كلية القرآن الكريم، التي صارت إلى جامعة القرآن الكريم، كما كان يتمنى د. يوسف إذ كان يقول: كلية القرآن بأم درمان هي ثاني كلية للقرآن الكريم بعد كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، لكنها ستكون أول جامعة للقرآن الكريم في العالم بإذن الله. وقد كانت جامعة بحمد الله كما تمنى، ولكن لم يكتب للدكتور يوسف حضور تحقق أمنيته. 

وكان التميز الأكاديمي صفة شهد بها علماء العالم الإسلامي للدكتور يوسف، ويكفي أن كتابه في المقاصد العامة للشريعة الإسلامية صار من أهم المراجع المعاصرة في بابه. 

وللدكتور يوسف تسعة مؤلفات في أبواب متعددة، وكان له اهتمام خاص بالتأصيل الاقتصادي ومحاربة الربا وفرض الزكاة وكتب في ذلك كتبا ومؤلفات، لكن أهم من ذلك أنه أسهم في تأسيس بنك فيصل، وكان ضمن هيئة رقابته الشرعية الأولى التي ترأسها الشيخ البروفسير الأمين الضرير، وكان ممن هيأ الأساس الفقهي لتأسيس ديوان الزكاة في عهد نميري، ولكن كان له رأي في النهج المتشدد الذي اتبعه نميري في تنزيل مسألة تحكيم الشريعة، رغم سعادته بتحكيمها وتنزيلها على القانون والاقتصاد. 

وقد ساهم بروفسير يوسف في برنامج نميري للتثقيف الإسلامي للضباط في المركز الإسلامي الأفريقي سابقا وجامعة أفريقيا العالمية لاحقا، كما بذل جهودا كبرى في إعداد الدعاة والأئمة في جامعة القرآن الكريم.

توفي بروفسير يوسف في العام 1988 بعد أن ساهم في تأسيس كثير من المؤسسات المختلفة من كليات جامعية ومعاهد لإعداد الدعاة، وساهم في تأسيس بنك فيصل وشركة التأمين الإسلامي وديوان الزكاة ومنظمة الدعوة الإسلامية الأفريقية، وذهب لربه بسوابق خير كثيرة، نسأل الله أن تكون أثقالا ثقالا في ميزان حسناته، وأن يكرمه ربه بأفضل من عمله وأجل وأعظم.